جبل الإشاعات وغياب المعلومة
عمر عليمات - للجميع الحق في الحصول على المعلومة، وتداولها وتحليلها ما دامت تتعلق بالعمل الحكومي، ولا يؤثر نشرها في الأمن الوطني للدولة أو يمثل انتهاكاً للخصوصية، فالحصول على المعلومة ليس نهجاً بقدر ما هو حق لا ينازع المواطن عليه أي جهة أو مؤسسة. والمقصود هنا ليس حق الصحفيين في الحصول على المعلومات، بل الجمهور بكافة فئاته.
العديد من الجهات البحثية والإعلامية تنشر تقارير دورية حول الإشاعات ذات الانتشار الكبير في المجتمع، وأغلها يتعلق بمفاصل العمل الحكومي، خاصة المناقصات والمشاريع والنفقات العامة، أي أنها تحمل طابع العمومية، وبرغم «الشطحات» الكبيرة لبعض مطلقي الإشاعات، فإنها تلقى قبولاً ورواجاً في المجتمع مدعومة بمكينة هائلة تساعدها على الانتشار، وهي وسائل التواصل الاجتماعي.
الإشاعة لا يمكن انتشارها من دون تربة خصبة تساعد على نموها وتغولها بشكل تصبح معه المعلومة غير الصحيحة هي السائدة، لا بل يتعدى الأمر ذلك لتصبح أمراً مسلماً به لدى شريحة واسعة من المجتمع، الأمر الذي يضع الأداء الحكومي والقدرة على الإنجاز تحت ضغط الإشاعات والمعلومات المغلوطة، مما يؤثر في الجو العام خاصة فيما يتعلق بالبيئة الاستثمارية، وقدرة أي مسؤول على اتخاذ أي قرار، فالكل مرعوب من حمى «السوشيال ميديا»، واغتيال السمعة عبر شرارة إشاعة يتم إطلاقها إما بشكل غير مقصود أو لتمرير وجهة نظر جهة ما أو جماعة ما.
الثقة بالقرار الحكومي ومنع الإشاعات وقطع الطريق على التأويل والتحليل الخاطئ لا يمكن أن تتعزز من دون انفتاح حقيقي من المؤسسات العامة على نشر المعلومة، وتزويد أي جهة أو فرد بها في حال أراد الحصول عليها، فالأصل أن المواطن جزء من الدولة ومساهم في إيراداتها عبر التزامه بدفع الضرائب والرسوم المترتبة عليه، وهو شريك في المال العام وله الحق بمعرفة أين تذهب أمواله وكيف تتم إدارتها.
الحكومة أطلقت مبادرة في هذا الاتجاه ولكنها مبادرة رد فعل، بحيث يتم الرد على الإشاعة بعد انتشارها، غير أن المطلوب هو نشر المعلومة وإتاحتها للباحثين والمواطنين بشكل قانوني شفاف ومنهجي، بحيث يكون الجمهور هو أول من يتصدى للإشاعة، كونه يمتلك المعلومة الصحيحة.
الإصرار على التعامل مع المعلومات العامة وكأنها أسرار شخصية يضر ولا ينفع، والتعامل بمبدأ «الترقيع» بعد إثارة الناس وتدحرج كرة الثلج، وسيلة عفا عليها الزمان، في ظل وسائل التكنولوجيا التي جعلت كل شخص صاحب برنامج يحظى بمتابعة جمهور عريض، ربما يصل إلى عشرات الآلاف أثناء البث المباشر، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ساحتنا المحلية تزدحم بالعديد من أصحاب البرامج عبر قنوات اليوتيوب، والبعض منهم يصل الأمر به إلى «شطحات» لا يصدقها العقل حول بعض المشاريع والمسؤولين وآلية إنفاق المال العام، وبرغم ذلك تجد لهم جمهوراً عريضاً، والسبب بكل بساطة هو إدارتنا للمعلومة وعدم قدرتنا على تقديمها بالشكل المناسب في الوقت المناسب، فما المانع عند إصدار أي قرار من أن يتاح للجمهور الحصول على كافة المعلومات المتعلقة به ونشرها عبر الموقع الإلكتروني للجهة أو الوزارة المعنية.
إخفاء المعلومة وتحويرها لن يوصلنا إلا إلى مزيد من عدم الثقة، والتشكيك في كل قرار حكومي، فكما يقول فريدريك نيتشه «لست منزعجاً لأنك كذبت علي، لكنني منزعج لأنني لن أصدقك بعد هذه المرة».
بالمختصر، بعض مسؤولينا يخفي «فأراً صغيراً» لا يضر إخراجه أي أحد، ليصنع جبلاً من الإشاعات قد يؤثر سلباً في المجتمع بكامله.