لأنها كذلك ستنتصر
حمادة فراعنة -أربعة مظاهر بارزة يمكن أن يلحظها المراقب المدقق المهتم بمسار وشكل ومضمون الثورة اللبنانية، ولهذا حقاً تستحق أن يُطلق عليها كلمة ثورة، ومظاهرها هي:
أولاً: أنها مدنية سلمية شعبية، تشارك فيها كل شرائح المجتمع اللبناني من الأطفال إلى الكهول، ومن الرجال والنساء، لم تقع في مظهر منفر تعجز شريحة شعبية من المشاركة فيها، بل تجعل خطواتها محسوبة على وقع قدرات كل اللبنانيين، مما يُسهل حقاً مشاركة كل شرائح المجتمع في حراكاتها وعلى تناغم خطواتها، وهي ظاهرة قوة تذكرنا بوقع وحصيلة الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى عام 1987 التي استطاعت بإمكاناتها المادية المتواضعة من هزيمة العدو الإسرائيلي المتفوق، ودفعته للتسليم نحو الاعتراف بالعناوين الثلاثة: 1- بالشعب الفلسطيني، 2- منظمة التحرير الفلسطينية، 3- بالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى أرضية هذا الاعتراف الإسرائيلي بالعناوين الثلاثة تم الانسحاب التدريجي متعدد المراحل، وولادة السلطة الوطنية، وعودة الرئيس الراحل ياسر عرفات مع مؤسسات منظمة التحرير وقواتها إلى الوطن.
ثانياً: مشاركة المرأة اللبنانية بشكل بائن في كل مواقعها، وهو ما تفتقده الثورات الشعبية المماثلة باستثناء ثورة السودان التي كانت إسهامات المرأة فيها واضحة بشكل بارز، فالإسهام النسائي بالثورة اللبنانية يمنحها القوة والعزيمة، لأنها تدلل أن نصفيّ المجتمع يتشاركان سوية في المهام الوطنية لنيل المطالب والحقوق.
ثالثاً: أنها ثورة جمعية ديمقراطية عابرة للطوائف والأقضية والمحافظات، فأفعالها في طرابلس مثلما هي في صيدا كما هي في بيروت، يُشارك بها المسلم والمسيحي، السني والشيعي والدرزي، ولهذا رفعت شعاراً متداولاً أنها أولاً ضد الطائفية والمحاصصة وأنها تستهدف تقويض السلطة «كلهن كلهن» تعبيراً شعبياً لبنانياً أن نضالها وأفعالها يستهدف التحالف المصلحي بين قادة الطوائف الذين يتقاسمون المغانم والوظائف والسلطة، ولهذا تستهدفهم الثورة بكل تلاوينهم الطائفية والتمييزية، وتعمل من أجل ذلك عبر خطوات تراكمية.
رابعاً: أن أهدافها واقعية غير متطرفة وخطواتها تدريجية متعددة المراحل، يرسمها مايسترو واحد، فهي ثورة وطنية من أجل لبنان أولاً وأخراً ولا ترفع شعارات تدعي أنها تسعى إلى تحرير فلسطين، واسقاط النظام في العراق، ومعاداة إيران والولايات المتحدة، رغم أنها كذلك في مضمونها وأهدافها، ولكنها تستنكف عن رفع شعارات ليست في أولوياتها وأهدافها المباشرة، مدركة المثل الشعبي القائل من يُكّبر حجره لا يُصيب .
لكل ثورة واقعها وظروفها، والقيادة الثورية الحكيمة ليست تلك التي تزج شعبها في محراب الموت وتتباهى بعدد الشهداء وسقوط الجرحى والمصابين، فها هي ثورة لبنان لأنها غير متطرفة وسلمية ومدنية وحضارية وديمقراطية وجمعية سيسجل لها الانتصار أولاً وستقدم نفسها كنموذج وطني ثوري سلمي تقدمي ديمقراطي للشعوب الأخرى، لم يسبقها لذلك سوى الانتفاضة الشعبية المدنية السلمية الفلسطينية التي هزمت العدو الإسرائيلي حقاً، والتي وصفها القائد الفلسطيني نايف حواتمة بالانتفاضة المغدورة قبل أن تقع بالمحظور الإنقلابي عام 2007 وتسير نحو التراجع وخيبات الأمل والجوع والحصار وتسليمها بالتنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب واتفاق التهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب وتلقي المال بواسطة العدو الإسرائيلي، وها هي مسيرات العودة تقع في مطب التطرف لأن بعض القيادات الفلسطينية لا ترى الانتصار إلا بسقوط الضحايا أمام العدو الإسرائيلي، مع أن هذه القيادة خذلت شعبها في غزة ولم تحقق له ما يتمناه من استكمال خطوات الحرية والاستقلال بعد أن أجبرت شارون على الرحيل عام 2005.
لهذا كله لأن ثورة لبنان ثورة شعبية ديمقراطية ستنجح، وستنتصر.