«إخوان» الأردن شياطين أم ملائكة؟ عودة لـ«حوار الطرشان» ونقاشات «الولاء» بصيغة «رفع الأثقال»
لا يبذل بعض النشطاء والرموز وأحياناً القواعد في المعارضة الإسلامية الوطنية الأردنية جهداً ملموساً في بناء مسافة فارقة باتت مطلوبة لإنجاز «أي مصالحة داخلية» منتجة ما بين حدود الخطاب الإعلامي الذي يعلن عن «تقدم الصفوف» في معركة «دعم وجود الدولة وهويتها»، وبين «سلوك على الأرض» يحسم جدلية «ولاء» الإسلاميين للنظام السياسي باعتباره «المرجع للدولة».
واضح تماماً الآن وبصورة خاصة بعد النقاش العام والمرصود وأحياناً المشتت بجدلية «أفراد يتلقون أوامر من الخارج» للتشكيك والتشويه، أن فهم نواب كتلة جبهة العمل الإسلامي لـ«الولاء الحقيقي» يختلف عن فهم العمق الرسمي لـ«التعبيرات المطلوبة في الولاء بالممارسة والأفعال وليس بالأقوال فقط».
الأوضح أن المطلوب من «قادة العمل السياسي» للمكون الإسلامي في ملف «الموالاة والانتماء» صعب ومعقد ويحتاج إلى «رؤية رسمية أعمق» في قياسات شرائح متقدمة من نشطاء التيار الإسلامي لا ترى أن «الواجب والوظيفة الشرعية» يتطلبان انضمام «المعارضة الوطنية» إلى تراثيات الولاء كما يرسمها الإعلام الرسمي الرديء أحياناً.
يسأل نشطاء إسلاميون بحرارة: كيف تقفز الحركة الإسلامية إلى منسوب «الولاء المطلوب» في ظل استمرار حلقات «شيطنتها» والتهديد بسحب تراخيصها واستمرار الاعتقالات والمراقبات والإجراءات التعسفية؟
طرح أحد الحضور من الحركة الإسلامية ملاحظة مثيرة في ندوة مغلقة شاركت فيها «القدس العربي» قبل يومين عبر مقاربة لها علاقة برياضة «رفع الأثقال».
قال: أي 10 غرامات إضافية فقط على وزن الأثقال تؤدي إلى سقوط المتسابق والإخفاق… لماذا تفترض الحكومة وهي تمارس كل أصناف الضغوط علينا نحن الإسلاميين، بأن تصرفاتها معنا ستقودنا إلى مربع «إظهار الولاء»؟
سؤال لم يكن متوقعاً، وهو مخيب للآمال لأنه يؤشر على مستويات النقاش العبثي والعدمي أحياناً في كل الاتجاهات عندما يتعلق الأمر بـ«الدولة والإسلاميين» في الأردن.
في المقابل، يطرح مسؤولون ورسميون سؤالاً موازياً: كيف وعلى أي أساس يفترض الأخوة في الحركة الإسلامية أن تجنب مخاطبة متطلبات الولاء الحقيقي يفترض أن ينتهي دوماً بـ«مكافأة» التيار ومنحه دوماً «جرعات خاصة» من «الدلال الرسمي» فيما لا يقدم من جهته ما ينبغي حتى في إطار المشاركة التي تتحدث عنها الأدبيات؟
سؤال له جذر، ولا بد من الإجابة عليه، ويستند إلى التشكيك بموقف الدولة في الملف الفلسطيني والإصرار على «لعبة الشارع» وعدم تفهم اعتبارات الدولة المصلحية، وأخيراً الغياب الذي أشارت له بعض التقارير عن مظاهر شعبية عارمة ساندت وأيدت الموقف الملكي بعد محطة واشنطن الأخيرة المثيرة، خلافاً لحديث عن رصد تدخلات «غير مثبتة بعد» لمكتب الإرشاد العالمي للإخوان المسلمين.
لكن المشكلة ذات الاستفسار تبدأ من غياب «تعريف فاصل وحاسم» لمواصفات «الولاء»، الأمر الذي زاد منسوب تعقيداته بعدما بدأ الجميع يتعاطى مع مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ«التهجير».
النائب الذي كان محسوباً على الإسلاميين سابقاً ويجلس الآن في أحد مقاعد مجلس الأعيان، عمر عياصرة، تحدث عن معايير الولاء في جلسة سابقة حضرتها «القدس العربي»، وطرح مفارقة تقول إن «بعض المستويات الرسمية تفضل الولاء المصحوب بامتيازات على التلقائي العفوي الطبيعي».
في الواقع، الولاء في الممارسة يفترض ألا يختلف عليه أحد، لا في المؤسسات البيروقراطية ولا في مؤسسات التيار الإسلامي، خصوصاً أن البلاد في مراحل «الاستهداف».
نقاش الولاء عموماً صعد إلى السطح مؤخراً، بعدما صرح تحت قبة البرلمان النائب صالح العرموطي متحدثاً عما سماه بـ «لقاء قريب في القصر الملكي» طلبته كتلة جبهة العمل الإسلامي لإعلان «وقوفنا خلف كلا الملكية (كلا للتهجير وكلا للتوطين وكلا للوطن البديل)، والولاء للوطن، والانتماء إليه».
تصريح العرموطي إيجابي وراشد ومسيس، ويحاول «تفكيك أزمة» يبدو أنها «قد تولد قريباً»، لكن الإشكال هو في فهم مراكز القرار الرسمي بأن العرموطي يمثل رئاسة كتلته فقط في النهاية ولا يمثل جماعة الإخوان المسلمين ومؤسساتها.
هنا يبرز أن قصة «اللقاء القريب» لها جذور؛ فبعض ممثلي جبهة العمل الإسلامي «زاروا» مؤخراً رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، أحد أجرأ كبار المسؤولين وأكثرهم سعياً، لمنع تفاعل أزمة مع الإسلاميين، وعلى الأجندة كان الطلب الأساسي «نريد لقاء في القصر الملكي للتحدث عن المشتركات».
من طلبوا لقاءات خاصة بالقصر الملكي لا يجيبون عن السؤال التالي: لماذا تستقبل مؤسسة القصر حصراً ممثلي أحد الأحزاب دون غيرها؟ ما الذي قدمه التيار حتى يصبح «اللقاء الخاص» في مستوى الاستحقاق؟
طبعاً، لا يحب الإسلاميون عرقلتهم في مثل هذه الأسئلة، بل يعتبرونها «تنميطية وكيدية» أحياناً.
والأكثر أهمية أن «الجناح المتطرف» ضد الإسلاميين في المستوى البيروقراطي لا يقرأ «ببراءة» تصريحات قيادة التيار عن «الدولة… وجودها… وهويتها»، ويعتبر التركيز على «الدولة» وتجاهل «الولاء للمؤسسة والقيادة» فيه قدر من الحرص على «ندية سياسية» لا تخلو من الدهاء والباطنية والإيحاء بالاستعداد لاختراق أو لبدائل.
مجدداً، تبرز مؤشرات «حوار الطرشان» ما بين البوصلة التي تشيطن الإخوان المسلمين وتلك التي تفترض أنه ينبغي التعامل معهم فقط كملائكة في العمل السياسي، مع أن المسألة تختص بتيار سياسي يخطئ ويصيب ولا مبرر لتصنيفه لا كملائكة ولا كشياطين.
بين القنوات الرسمية الثقيلة لا يتظلم الإسلاميون إلا لرئاسة مجلس الأعيان وبينها، لا يتحدث معهم وبصراحة إلا الرئيس فيصل الفايز. وخطاب الأخير مع «التيار» واضح ومكرر، وفيه تشخيص عميق للأزمة والمشكلة وبعنوان «عليكم إعلان الولاء للعرش والقيادة وممارسته».
قالها الفايز في جلسات عامة وأخرى مع الإسلاميين، وقالها لـ«القدس العربي» أيضاً، وهو يعبر عن أمله في «تدشين حوار» يسمح بحوارات وطنية أعمق وأشمل.
لاحقاً لحوارات الشيطنة، يرى الخبراء أن «نزاهة الانتخابات» الأخيرة وتمكن حزب الجبهة من الحصول على «حصة أغلبية» قوامها 31 مقعداً، هي خطوة تخدم «تظلمات» التيار في الماضي، وكان يجب أن يقابلها الإسلاميون بخطوات تجاه الدولة لإعادة بناء الثقة.
ذلك عملياً لم يحصل؛ لأن القواعد في الحركة الإسلامية لا تزال مؤمنة بأن «الانتخابات ليست أولوية أو مهمة»، والأهم مرحلياً «طوفان الأقصى» وليس الانهماك في استعادة الثقة مع النظام السياسي.
وفي المقابل، ومع غياب «الشرح الوافي» لملف «أفراد يأتمرون من الخارج» الذي تحدث عنه الملك، بدأت بعض الأقلام التي وصفها العرموطي بـ«الصفراء» بمحاولة مكشوفة للربط مجدداً بين «التيار الإخواني» وسردية «الولاء الخارجي» أو «ازدواجية الولاء».
وتلك في كل حال، سردية ينبغي ألا تتحول إلى «أولوية» الآن في ظل الحاجة الملحة لمواجهة السيناريوهات الخطرة جداً التي تواجه الأردن حكومة وشعباً، وبكل تعبيراته ومكوناته، بما في ذلك الموالون الصادقون أو المسمومون والمعارضون والمواطنون عموماً قبل الجهتين.
بسأم البدارين
القدس العربي