بين غشاشي البيت وغشاشي الزيت

رمزي الغزوي - على وقع وعيد المؤسسة العامة للغذاء والدواء بنشر قائمة معلومات تشمل أسماء وأرقام هواتف ما أسمتهم  «غشاشي الزيت»، لغايات توعية المواطنين وتحذيرهم من التعامل معهم وردع المحتالين من الاستمرار بسلوكيات احتيالية. 
على وقع هذا الوعيد؛ سنتذكر بعض طرائف الخَطّارين، وهم باعة الزيت الجوالون الذين يسافرون من بلدة إلى أخرى لبيعه. فبعضهم كانوا يغشونه بزيت نباتي رخيص، ولكن نصف ضميرهم الصاحي، كان يجنح به إلى المواربة، أو التلاعب بالألفاظ، والتورية.
ولهذا كان بعض الخطارين يطلون رقابهم بزيت زيتون بلدي (بكر ابن السنة)، لا تشوبه شائبة، وأحيانا يكحلون به عيونهم ورموشهم، وقد يتجاوزون ذلك بأن يمسحوا أولادهم الصغار بطبقة رقيقة منه.
وإذا كان للحقيقة صورة واحدة، ناصعة البياض لا تقبل الطلاء أو الدهان، مهما ساد عمى الألون والتعمية، فللباطل ملايين الصور الملونة، تغري المبصرين، وعميان القلوب، ولهذا دائماً ما تتعدد صور الغش، وتختلف تنوعاتها وتفاصيلها، بل وتطالعنا كل يوم ابتكارات غشية لا تخطر على بال الشيطان في عزِّ فهلوته، هذه الابتكارات تقدم بصورة ملائكية تجعلك لا تخال الباطل يأتيها من بين يديها، أو خلفها!.
البعض من الغشاشين الذين لم يصلوا درجة الكاوتشوك الكاملة في الضمير أو تصلبه، والذين ما تزال بقية خضراء في ضمائرهم الجوانية، فهؤلاء يعمدون أن تكون أيمانهم صادقة في ظاهرها، على الأقل. 
كان تاجر الزيت لا محالة سيضطر، أن يقسم يميناً غليظة للمشتري، فيقول له بكل مصداقية وهو يغمس خنصره بالزيت: على رقبتي زيت بلدي!، (وهو صادق؛ لأن رقبته تتلألأ بطبقة منه)، أو يقسم: على رموشي زيت بلدي، وإذا ظل المشتري مشككاً في جودة زيته،  يقول: يا رجل، والله على أولادي الغايبين عن عيني زيت بلدي.
اليمين لا تكون إلا على نية السامع، وليس على نية حالفها، ولكن نقول أن عجاج الطريق ربما يغطي الرقبة بطبقة رقيقة عازلة من الغبار، تجعل يمينهم المواربة مختلة في توازنها، أو أن ولداً من الأولاد يأخذ حماماً ساخناً، فيجعل يمين أبيه في مصرف الكذب الخالص. 
لا نريد أن نؤكد على هذه البديهيات، بل ما زلنا نردد مع البسطاء: نحن لا نهاب الحرامية المغموسين بالحرمنة واللصوصية حتى شوشة روؤسهم، فهؤلاء نعرفهم عرف اليقين وهم مكشوفون كمؤخرة نعامة، ولكننا نهاب أنصاف الغشاشين، المطليين بشعارات براقة، تتلألأ للعيان مثل الزيت البلدي.هؤلاء مقتلنا بيتنا، ومنهم علينا أن نخاف!.