الأعشاب والخلطات للقولون والمفاصل: تجارة بلا رقابة وآثار جانبية قاتلة في الأردن فمن المسؤول ..!

 

تحقيق خاص / الشريط الاخباري


في ظل انتشار المنتجات العشبية والخلطات الطبيعية لعلاج القولون والمفاصل، يواجه المستهلك الأردني خطرًا صحيًا متزايدًا بسبب انعدام الرقابة الفعلية على هذه المنتجات. وبينما يسوّق لها بعض التجار باعتبارها "علاجات طبيعية آمنة"، تتزايد التقارير الطبية التي تشير إلى آثار جانبية خطيرة قد تصل إلى حد الوفاة.

هذا التحقيق الصحفي الذي قامت به الشريط الاخباري يكشف حجم المشكلة، ويسلط الضوء على الجهات المسؤولة، مع دعوات لضبط التجار الجشعين وتحويلهم إلى المدعي العام.

على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الأسواق، تنتشر الإعلانات التي تروج لأعشاب وخلطات طبيعية بوصفها "حلًا نهائيًا" لمشاكل الجهاز الهضمي والآلام المزمنة. لكنها في كثير من الحالات لا تحمل أي تصريح رسمي من الجهات المختصة مثل المؤسسة العامة للغذاء والدواء.  

يقول الدكتور محمود الخطيب للشريط الاخباري، أخصائي طب الأسرة إن "بعض هذه المنتجات تحتوي على مكونات ذات تأثير قوي، لكنها غير مدروسة علميًا، وقد تتفاعل بشكل خطير مع الأدوية الأخرى أو تؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، خاصة لدى مرضى السكري وضغط الدم".

ضحايا الخلطات العشبية: شهادات حية  

تروي أم أحمد، 54 عامًا، تجربتها المؤلمة بعد استخدام خلطة عشبية موصى بها لعلاج التهاب المفاصل. تقول: "بعد أسابيع من الاستخدام، بدأت أشعر بآلام غير طبيعية في المعدة والتهابات حادة. وعندما زرت الطبيب، تبين أن الكبسولات التي تناولتها كانت تحتوي على مواد ملوثة غير معروفة".  

في عمّان، تروي السيدة منى سعيد، 43 عامًا، قصتها مع إحدى الخلطات العشبية التي اشترتها عبر إعلان على فيسبوك يدّعي أنها "تزيل آلام القولون خلال أيام". بعد استخدامها لثلاثة أسابيع، أصيبت بأعراض حادة في الجهاز الهضمي، تقول: "بدأت أشعر بانتفاخ شديد وغثيان مستمر، وعندما أجريت الفحوصات، تبين أن مكونات الخلطة تسببت في تهيج حاد في القولون والتهابات في المعدة."  

محمد، شاب في الثلاثينيات، يقول إن والدته البالغة من العمر 60 عامًا استخدمت خلطة عشبية لألم المفاصل، لكن النتائج كانت كارثية: "بعد أسبوعين من الاستخدام، بدأت تشكو من دوار شديد وانخفاض في ضغط الدم، وعند مراجعة الطبيب، تبين أن أحد الأعشاب كان يتفاعل مع أدوية الضغط بشكل خطير."  

من جهة أخرى، يروي الطبيب الصيدلي احمد منصور، أحد العاملين في مجال الصيدلة، عن حالات متكررة لمرضى يعانون من آثار جانبية لهذه الخلطات غير المصرح بها، يقول: "العديد من الزبائن يأتون إلى الصيدليات طالبين مساعدتنا بعد تعرضهم لمشاكل صحية بسبب خلطات مجهولة المصدر، بعضهم يعاني من فشل كلوي أو مشاكل خطيرة في الكبد."  

الجهات الرقابية: غياب التشريعات وضعف المتابعة

رغم خطورة هذه المنتجات، يقر مسؤول سابق في المؤسسة العامة للغذاء والدواء بأن الرقابة على الأعشاب والخلطات لا تزال ضعيفة، يقول: "القانون يفرض قيودًا على بيع المنتجات الطبية، لكن التجار يتحايلون عبر البيع الإلكتروني أو تقديم منتجاتهم على أنها مكملات غذائية، وهذا يجعل من الصعب ضبط السوق."  

الدكتور سامي موسى، أخصائي الصحة العامة تحدث للشريط الاخباري، أن غياب القوانين الواضحة يشجع هذه التجارة: "البعض يروج لهذه الخلطات دون أي أساس علمي، مستغلين رغبة الناس في البحث عن حلول طبيعية، لكن النتائج قد تكون مدمرة."  

حالات عديدة يتم رصدها في المستشفيات، أكد أطباء أن بعض المرضى يعانون من مشاكل في الكلى والكبد والقلب والمعدة نتيجة تناول خلطات غير موثوقة.

غياب الرقابة القانونية وارتفاع الأرباح

يقول أحد التجار، الذي رفض الكشف عن اسمه: "نحن نعمل على توفير علاجات طبيعية بأسعار مناسبة، لكن لا توجد قوانين واضحة تمنعنا من البيع، فالناس يبحثون عن بدائل للأدوية الكيميائية" وهم يقومون بالاعتماد على عطارين او وصفات عبر الانترنت وتعبئتها بكبسولات فارغة والكريمات في علب باحجام محتلفة ومن ثم بيعها .

في المقابل، يرى مسؤول في الجهات الرقابية أن الجهود الحالية غير كافية، خاصة في ظل بيع المنتجات عبر الإنترنت بعيدًا عن أي إشراف حكومي.

**الخدع التسويقية: استغلال الفقراء للترويج لمنتجات قاتلة**  

لا يقتصر خطر هذه التجارة على الأضرار الصحية فقط، بل يمتد ليشمل أساليب تسويقية غير أخلاقية تستغل حاجة الناس إلى المال. 
" الشريط الإخباري "تحاورت مع أربعة أشخاص عملوا في هذا المجال وكشفوا تفاصيل صادمة حول كيفية استغلال التجار لهم.  

يقول محمود، 27 عامًا، إنه تلقى عرضًا بتصوير فيديو ترويجي لمنتج عشبي يدّعي علاج القولون دون أن يستخدمه فعليًا، مقابل مبلغ مالي مغرٍ، حيث طُلب منه إلقاء كلمات محددة والتأكيد على فعالية المنتج أمام الكاميرا. "قالوا لي: فقط تحدث عن تجربتك وكأنك استخدمته، لا داعي لأن تجرب فعليًا. كنت بحاجة إلى المال، ولم أفكر كثيرًا في العواقب"، يعترف محمود بندم شديد بعد سماعه عن حالات مرضية خطيرة تسببت بها هذه المنتجات.  

أما علي، 35 عامًا، فقد كان دوره أكثر تعقيدًا، إذ أُجبر على القسم على كتاب الله أمام الكاميرا لزيادة مصداقية الإعلان، يقول بغصة: "كنت أعرف أن المنتج غير مضمون، لكن الحاجة للمال دفعتني للقبول. الآن وبعد أن علمت بالأضرار الصحية التي عانى منها البعض، أشعر بالندم الشديد."  

سعاد، 41 عامًا، إحدى السيدات التي تعرضت لهذا الاستغلال، تقول إن التجار استخدموا تكتيكات الضغط النفسي وأخبروها أن "الجميع يفعل ذلك"، مما جعلها تشعر أن الأمر عادي. "ظننت أنها مجرد كلمات أمام الكاميرا، لكن عندما سمعت عن الضحايا، شعرت أنني شاركت في خداع الناس"، تعترف بحزن.  


هل من محاسبة قانونية؟  

تؤكد مصادر قانونية أن هذه الممارسات تشكل **احتيالًا صريحًا** يجب أن يُعاقب عليه القانون، خصوصًا عندما يكون هناك قسم كاذب بهدف تضليل المستهلكين. يقول المحامي محمد قاسم البطاينة: "أي شخص يتورط في الترويج الكاذب عن علمٍ بتحقيق مكاسب مالية يمكن أن يُحاسب قانونيًا، ومن الضروري فتح تحقيقات في هذه القضايا وإحالة الجناة للمدعي العام."  

في ظل هذه الفوضى التجارية، يبقى المستهلك هو الضحية الأكبر، وسط غياب الرقابة وضعف القوانين الرادعة،فهل ستتحرك السلطات لضبط السوق ووقف استغلال المواطنين؟ أم أن أرباح هذه التجارة ستظل تسبق صحة الناس؟