3 مليون دينار تكلفة جسور مشاة تحولت لمكاره صحية
تحول أكثر من 50 جسر مشاة في المملكة على مدار سنوات تجاوزت كلفتها 3 ملايين دينار حسب أرقام رسمية، إلى "حمَّامات عامة، وهياكل عظمية" بلا حياة فوق الشوارع، يرفض استخدامها النَّاس، لصعوبة صعودها "لأنها لا تصلح إلا للدعاية والإعلان".
رصدت وعلى مدار 120 يومًا، في أوقات الذروة والعمل الرَّسمي 80 جسرًا للمشاة في أربع محافظات شمال ووسط المملكة هي الزرقاء وإربد والبلقاء وعمَّان، وتبين أنَّ النَّاس يرفضون صعودها لصعوبتها وارتفاعها وسوء تخطيط موقعها، الا أن المسؤولين عن انشائها برروا أنَّ اختيار أماكن وجودها تم بعد دراسة وافية وشاملة.
أمام مستشفى الأمير هاشم العسكري في الزرقاء ومدرسة الأميرة رحمة للبنات الحكومية، والسّاعة تشير إلى الثامنة والنصف من يوم الأحد وهو بداية الأسبوع، يقطع جميع المشاة الشارع من أسفل الجسر الذي يعتلي هذا الشارع والذي يشهد حركة سير كثيفة جدا وكأن جسر المشاة غير موجود.
ر
مندوب امام الجسر حركة المشاة لأكثر من 3 ساعات فلم يصعد اي منهم درجات الجسر التي تصل الى 15 درجة من كل جهة، اذ تقول الحاجة مريم الشرع التي تجاوزت السبعين من العمر "إذا إنت شب تقدر تطلعه وما تتعب أنا اطلعو"، في إشارة إلى أن الارتفاع بين الدرجة والتي تليها حاد وليست مصممة لجميع الفئات والأعمار.
وتضيف الشرع إن قطع الشارع أسهل رغم ما يعتريه من خطورة التعرض للدهس، بينما تقول ابنتها فاطمة التي تمسك بيد أمها "مين يقدر يطلع هذا الدرج أصلا"، وفي رأيهما أن بالإمكان أن يكون أفضل من ذلك. ويشير المواطن كمال الحلو الذي يعمل بالقرب من المنطقة إلى أنَّ هذا الجسر "هو وقلته واحد"، و "أن أكثر استخداماته هو لقضاء الحاجة واعتباره حمَّامًا عامًّا"، لافتا الى أن على المسؤولين اولًا أن يفكروا بأسباب عزوف المواطنين عن صعود درج هذه الجسور. وعلى طريق جرش الزرقاء بالقرب من قرى بني هاشم التابعة للواء الهاشمية يختار الطلبة صباحًا العبور من خلال الشارع، مستثنين صعود درجات حادة؛ لجسر المشاة الذي رصدته "بترا" لساعات، وبدا وكأنه "هيكل عظمي بلا حياة ولا رواد"، ولم يقترب منه أحد وتحول إلى مكان لنشر الإعلانات فقط رغم أنَّ تكلفة إنشائه ليست بسيطة.
في محافظة إربد جسران للمشاة فقط، إلا أنهما مغلقان إلى إشعار آخر بأمر من بلدية إربد الكبرى، ولا يصعدهما أحد، وفي البحث عن الأسباب قال الناطق الإعلامي باسم البلدية رداد التل لـ "بترا"، إنَّ هذين الجسرين تحولا إلى أماكن لممارسة أفعال غير أخلاقية خصوصا في ساعات الليل ولذلك اتخذت البلدية قرارا بإغلاقهما إلى إشعار آخر حتى إيجاد حلٍّ لهما. ويضيف التل، إنَّ تكلفة إنشاء هذه الجسور تصل إلى 50 ألف دينار لكل منهما وربما أكثر حسب الطول والارتفاع وكمية الحديد المستخدمة، مشيرا الى أن البلدية تدرس آلية جديدة لإعادة العمل بهما. وفي الطّريق الواصل بين عمَّان والزرقاء "الأوتوستراد" أقيم جسرا مشاة مقابل مدينة الرصيفة، الا أن استخدامهما قليل رغم خطورة الطريق الذي يعتبر من الطرق السّريعة، ويقول عبد المنعم أنه فقد زوجته على هذا الشارع بسبب تجاوز الشارع. أما في شارع الملكة رانيا بعمان، فقد أقيم جسر للمشاة قرب وزارة الزراعة، إلا انَّ حوادث الدَّهس مستمرة ومتعددة، وفي رصد لـ "بترا" ظهر أن قليلا من المشاة يستخدمونه، والأكثرية يختارون قطع الشارع رغم خطورته وازدحامه بالسيارات ليل نهار.
تقول الطالبة بتول التي تدرس في إحدى الكليات القريبة من الجسر، ان الجميع يبحث عن الحل الأسرع وهو قطع الشارع ولا أحد يفكر بصعود جسر المشاة، رغم أنه ليس سيئًا ويفي بالغرض ويحمي الكثيرين من مخاطر قطع الشارع. ولكنها تضيف، إنَّ هذه الجسور تحتاج الى دقة في التصميم بحيث تراعي جميع فئات المشاة، وأن تتعزز ثقافة لدى النَّاس باستخدامها، وتعزيز ذلك بعقوبات مشدَّدة على من يقطع شارعا يعتليه جسر مشاة. الوضع مختلف على شارع الأردن قرب مخيم البقعة التابع لمحافظة البلقاء، حيث يشطر هذا الشارع منطقة إلى نصفين، وتم إنشاء جسري مشاة لكنهما مستعملان بكثافة من قبل كثير من المشاة، وهنا يعزي سعد محمد السبب الى الحواجز التي أقيمت أسفل هذه الجسور والتي تمنع من قطع الشارع من قبل المشاة.
ورغم وجود أكبر عدد جسور للمشاة في العاصمة عمَّان عن بقية المحافظات إلا أنَّ عدد المصابين والوفيات بحوادث الدَّهس خلال العام 2018 بلغ 1337 شخصًا، وفي الزرقاء 498 شخصًا، وفي إربد 737 شخصًا، وفي البلقاء 225 شخصًا. وتشير الأرقام الرَّسمية في أمانة عمَّان الكبرى إلى أنَّ عدد جسور المشاة في العاصمة عمَّان تبلغ 121 جسرًا، أقدمها هو جسر تم إنشاؤه أمام كلية الزراعة التابعة للجامعة الأردنية قبل 25 عامًا. تبلغ تكلفة إنشاء الجسر الواحد حوالي 50 ألف دينار وفق أرقام الأمانة، التي تنشئ 10 جسور سنويًا بحسب دراسات مرورية لعدد من المواقع لضمان سلامة المشاة، فيما يشير تقرير مديرية الأمن العام لحوادث السير في الأردن خلال العام 2018 إلى وفاة 178 إنسانًا بحوادث دهس على الطرق، نجمت عن 3 آلاف و516 حادث دهس، وتركت هذه الحوادث خلفها بالإضافة إلى الوفيات 302 إصابة بليغة، و 937 إصابة متوسطة، و2099 إصابة بسيطة. ويضيف التقرير ان 7ر33 بالمائة من الحوادث التي وقعت خلال العام الماضي كانت حوادث دهس، كان عدد كبير منها يقع بين السَّاعة 12 و 1 ليلًا، ومنتصف النهار بعدد وصل إلى 158 حالة ليلا و 425 حالة عند السَّاعة الثالثة عصرًا. وبين التقرير أنه كل ساعتين ونصف الساعة يقع حادث دهس على الشوارع الأردنية، وتغادر كل 15 ساعة روح إلى الله بسبب حوادث السير التي تشكل عامًلا كبيرًا في الوفيات في الأردن، وأنَّ وقوع حوادث الدَّهس يوم الخميس نهاية الأسبوع بلغ 567 حادثة، بينما بلغ يوم الأحد بداية الأسبوع والدوام الرسمي 525 حادثة، وسجَّل شهر آذار أعلى عدد حوادث للدهس وصلت إلى 358 حادثًا. الجدير بالذكر ان فترة إعداد هذا التحقيق تزامنت مع زيارة لوكالة الأنباء الأردنية "بترا" لجمهورية الصِّين رصد خلالها معد التحقيق الفارق بين تصميم جسور المشاة في العاصمة بكين ومدينة هانغتشو جنوب البلاد، حيث كان الاختلاف فقط بطريقة التصميم لكن جميعها تتيح للجمهور العبور عبر جسر المشاة، فلا درجات حادة وكل جسر مشاة تم تصميمه بمساحة تجعله مريحًا للاستخدام، ويراعي من لديه مشاكل في المفاصل، فهناك أنت لا تصعد درجًا حادًّا بل تسير في شارع متدرج الارتفاع يعبر بك إلى الناحية الأخرى بأقل مجهود، حتى أنَّ راكب الدراجة الهوائية مخصص له مكان لعبور الشارع عبر جسر المشاة. وشاهدت "بترا" أنَّ السُّلطات الصِّينية قامت بعمل سياج حماية في الجزيرة الوسطية للشوارع وقدّمت جسرًا لقطعها، خاصة في الأماكن المزدحمة والطرق السريعة، أمَّا في الشوارع الداخلية وفي الأسواق داخل المدن فهناك قانون يلزم المشاة بقطع الشَّارع من الاماكن المخصصة لهم ويلتزم السائقون بالسُّرعة والوقوف أمام هذه الممرات.