لماذا القرار ودوافعه؟


حمادة فراعنة
قرار إلغاء ملحقي معاهدة السلام، واستعادة أراضي الباقورة والغُمر، ليس قراراً إجرائياً وحسب، ولم يكن يستهدف هذه الأراضي بسبب أهميتها الزراعية، أو لأن الملاحق وتطبيقاتها على الارض تسبب حرجاً شعبياً للحكومة وخياراتها، فالمعرفة الشعبية بمضمون المعاهدة وتطبيقاتها محدود، والذين يعرفون لم يكونوا يتوقعون اتخاذ هذا القرار السياسي الحازم في هذا الوقت نظراً لترابط الملاحق مع المعاهدة، وبالتالي لم تتوفر القناعات أو المطالبة بإلغاء الملاحق بدون المس بالمعاهدة نفسها، ولذلك تم تنفيذ القرار في ظل غياب اليقين الإسرائيلي والأردني بالإقدام على هذا القرار، الأمر الذي يفرض البحث عن دوافع اتخاذ هذا القرار وقوته السياسية وشجاعته، خاصة وأنه اتُّخذ من قبل أعلى المراتب السياسية ، من قبل رأس الدولة الأردنية، منذ ما قبل نهاية العام الماضي 2018، ونفذ قبل نهاية العام 2019.
العلاقات الرسمية الأردنية الإسرائيلية تعيش حالة اشتباك سياسي حاد منذ انتخابات الكنيست الإسرائيلي عام 2013، التي أفرزت نفوذا لليمين الإسرائيلي واليمين المتطرف وأحزاب اليهود المتدينين المتشددين، وتعمق نفوذها وتحالفاتها نتيجة انتخابات 2015، وانعكست نتائجها على زيادة هجمات المستوطنين والوزراء والنواب الإسرائيليين واقتحاماتهم لساحات المسجد الأقصى بعد توقيع وتجديد الوصاية الهاشمية والرعاية الأردنية من قبل الرئيس الفلسطيني مع رأس الدولة الاردنية يوم 30 أذار 2013، وقد أدت تلك الهجمات الإسرائيلية وانتهاك حرمة المسجد الأقصى إلى استدعاء السفير الأردني من تل أبيب يوم الأربعاء 5 تشرين الثاني 2014 «احتجاجا على التصعيد الاسرائيلي المتزايد وغير المسبوق للحرم القدسي الشريف»، ولم يعد من عمان إلا بعد صدور قرار نتنياهو في شهر تشرين الثاني نوفمبر 2015 بمنع دخول الوزراء والنواب الإسرائيليين إلى ساحات المسجد الأقصى، ولكنه عاد وأصدر قراراً يوم الثلاثاء 3 تموز 2018 بالسماح للوزراء والنواب باقتحام ساحات المسجد الأقصى وفرض التقاسم الزماني صباحاً حيث تقوم سلطات الاحتلال بمنع المسلمين من دخول المسجد الأقصى من التاسعة صباحاً والى ما قبل صلاة الظهر، وتسمح للمستوطنين المستعمرين مع الوزراء والنواب باقتحام ساحات المسجد والمس بقدسيته الإسلامية كمسجد للمسلمين، وللمسلمين فقط، وكان هذا السبب الأول والجوهري الذي فرض على صاحب القرار الأردني التصرف بمسؤولية والبحث عن عناوين وأدوات للرد السياسي على إجراءات قادة المستعمرة الإسرائيلية وبمثابة رسالة سياسية مؤثرة توازي حجم الغضب الأردني الكامن رداً على سلسلة الإجراءات والمواقف الإسرائيلية المعادية للمصالح الوطنية الأردنية وفي طليعتها المس بقدسية الحرم القدسي الشريف، والمساس بالوصاية الهاشمية والرعاية الأردنية للمقدسات الإسلامية والمسيحية.
لقد سعى نتنياهو لزيارة الأردن منذ إعلان الملك عبد الله في شهر أيلول 2018، ومطالبته العلنية للحكومة الأردنية بعدم تجديد ملاحق معاهدة السلام الخاصة بمنطقتي الباقورة والغُمر، ولكن عمان لم تتجاوب مع رغبات نتنياهو ورفضت استقباله لعدم ثقتها بشخصه ولمعرفتها أنه يستهدف فقط تجديد ملاحق المعاهدة لخمسة وعشرين عاماً وتمديد الفترة الزمنية الموجبة، ويعود لمواصلة عدم احترام التزاماته نحو الاستحقاقات الأردنية والفلسطينية.