انهيار الحس الحضاري

 د.حسان ابوعرقوب -من المشكلات التي تعاني منها أمتنا انهيار الحسّ الحضاري، بحيث اعتاد غالبية الناس على التصرف كأمّة مهزومة أو متخلفة، ورضيت بمسمى (العالم الثالث) كتصنيف يجعلها في ذيل الأمم والشعوب.
وانعكاس هذه (الهزيمة النفسية) ظاهر في تصرفات الأفراد والشعوب،  فمثلا صار من الطبيعي جدا أن تجد من يلقي نفاياته من سيارته أثناء سيره في مركبته، ومن يضع النفايات بجانب الحاوية ولا يكلّف نفسه رميها بداخلها. كما أنه من الطبيعي جدا أن تجد من يوقف سيارته أمام (مرآب) المنازل ويعيق حركة سيارات أهلها، دون أن يهتزّ له جفن.
من الطبيعي جدا أن يخترق أحدهم الصفوف والدّور في أي مكان كنوع من الشطارة والحذلقة، كم أنه من الطبيعي جدا أن تجد من يميل بسيارته ذات اليمين وذات الشمال طربا على صوت أغنية يطلقها من سيارته يسمعها سكان الفضاء. ولا غرابة عندما نجد الأطفال يلعبون في الشوارع، كما لا غرابة أن تجد من يسرق الماء أو الكهرباء، ليتنعّم بهما دون أن يخاف عاقبة الفواتير.
من الطبيعي أن ترى من يقطف الأزهار ليلقيها على الأرض، فلا هو استمتع بها، ولا ترك غيره ليستمتع، ومن غير المستهجن أن ترى جموع الطلاب الصغار يقفون على عتبات مدارسهم، فريق منهم يحمل (سيجارة) يعبّر من خلال الدخان الذي ينفخه في الهواء عن رجولته.
من غير المستغرب أن ترى دخان عوادم سيارات الديزل يسدّ الأفق، ويشكّل سُحُبا تمنع الرؤية، وتسبب الاختناق وتثير التحسس عند الأفراد، ومن غير المستهجن أن تلحظ الطلاب يمزّقون كتبهم عند نهاية العام الدراسي، في إشارة مرعبة لكراهيتهم للعلم والمدرسة.
كل تلك الظواهر وغيرها كثير سببها أننا سلّمنا أننا أمة متخلفة، وأن هذه التصرفات المتخلفة شيء طبيعي يتناسب مع صورتنا الذهنية عن أنفسنا لأننا من العالم الثالث. لذلك كان من أهم الواجبات على قادة الفكر والرأي من العلماء والخطباء والدعاة والكتاب والأدباء أن يعيدوا إحياء الحسّ الحضاري عند الناس، وينبّهوا أن تلك التصرفات لا تليق بنا كأمّة تملك تراثا حضاريا ضخما، وكان لها صفحاتٌ مشرقة في تاريخ البشرية يوما ما.