السنيد يكتب : الى الذين برئت منهم ذمة الله ورسوله


كتب النائب السابق علي السنيد:

يعيش الفقير حياته برسم الموت تحت وطأة الحكومات التي ترسخ بقراراتها الجائرة المعاناة في حياة شعبها، وفي ظل قسوة الاثرياء ومنعهم حقوق الفقراء في اموالهم .

وهو يعاني على ابسط متطلبات حياته من غذاء ودواء وكساء ، وماء، وكهرباء ودفء في الشتاء حتى تمس الظروف الصعبة بانسانيته، وذلك في خضم سعيه لاعالة اسرته واطفاله وتعليمهم وتوفير المعالجة اللازمة لهم، ومواجهة احتياجات السكن، والتعليم الجامعي ، وتأهيلهم كاعضاء حقيقين في المجتمع يحق لهم ان يجدوا عملا او فرصا في مقتبل الايام.

وتكون ايام الفقراء وسنوات اعمارهم النكدات مثقلة بالهموم والاحلام المقتولة ، ومفتوحة على شتى انواع الالام، والمآسي، وهم يقاسون لتدبير شؤونهم اليومية، وربما ان هم معيشتهم واطفالهم يظل يسد عنهم افاق العالم الرحب الذي يعيشون فيه فيرون الدنيا من زاوية ضيقة، وتحتجب عنهم الافراح ، والمسرات، ومباهج الحياة في صراعهم المرير مع لقمة الخبز، والبحث عن مصادر الاقتراض لمواجهة تحديات حياتهم البائسة، وهو ما يؤدي الى تطرفهم، وايغالهم في التشاؤم والسوداوية .

والفقر مدعاة للهموم والاحزان، ويصبح جسرا للاحباط، والعجز، والمشاعر السوداء ، وفقدان الامل في المستقبل .

والفقراء هم خط الدفاع الاول في المجتمع حيث تجرب فيهم الحكومات المخملية كافة اساليب فشلها، ويتم تحمليهم مسؤولية سوء السياسات، وغياب الرؤيا في عملية الحكم ، وكذلك الهدر، وضياع المال العام، وتكون جيوبهم هي الحل، ويكتوون بالسياسات الضريبية التي تستهدفهم، ومعيشتهم بالاساس، والتي لا تحرص على النهوض بواقعهم وقراهم وحاراتهم كما تقتضي امانة المسؤولية الوطنية. ولذلك فتكون الحكومات في حالة صراع مع فقراء شعبها في رفعها للاسعار والضرائب والرسوم و الذين لن ينثروا الورود في طريقها، او في طريق وزرائها، او يدبجون لهم قصائد المديح، والاطراء، وانما سيمطرونهم بوابل من الغضب و الاستخفاف وانعدام الثقة، والتشكيك، والاتهام بالفساد، ويظل المسؤول في حالة اتهام متواصل حتى خروجه من منصبه ، وتلاشيه من دائرة الحدث، وربما تلاحقه اللعنات الى بيته، وحتى ليصبح مجرد العمل الرسمي مدعاة للشبهة، والوقوع تحت وطأة الرأي العام المستفز الا ما ندر.

وان تنامي المعاناة في حياة الفقراء، وهم غالبية الشعب تفضي الى تدهور الحالة الاجتماعية التي بتنا نلمس نذرها، وقد تؤثر زيادة معاناتهم، وعدم قدرتهم على مواصلة الحياة الكريمة في وطنهم الى اثار سياسية مدمرة ، وهو ما يؤثر على العجلة الاقتصادية ، وكيان الدولة ومؤسساتها الدستورية ، وهو ما يستدعي تطوير اليات العمل السياسي، وبعث الحياة السياسية بصورة توقف العبث في المشاعر الوطنية ، والذي يزيد مع كل تشكيل حكومي جديد بات للأسف يضع بصمته بمزيد من الفشل في سجل احلام الشعب الصابر، ويمضي الرئيس بدوره ، والوزراء الى حال سبيلهم، ومنهم من يتحول الى ناقد لاذع للاوضاع، وفي المحصلة تزداد النقمة الشعبية.

واننا مدعوون الى ايجاد صيغة سياسية مولدة للحكومات التنموية صاحبة الولاية العامة، والاقتدار في ادارة عملية الحكم، والتي تتكلل اعمالها بتطوير حياة الاردنيين، واسعادهم لا ربطهم بدائرة الشقاء.

والمسؤولية الوطنية تستدعي ايضا دور الاثرياء ورجال الاعمال واصحاب الشركات، واغنياء السياسيين التي تتكدس ارصدتهم الان في البنوك المحلية بعشرات المليارات، هذا ناهيك عن اموالهم خارج الوطن، وليتذكر المقصرون منهم بواجب الزكاة وتأدية حقوق الفقراء في اموالهم انها ستحمى وتكوى بها جباههم وجنوبهم في اخرتهم التي هي على الابواب، فالحياة التي يتلذذون فيها لوحدهم وابنائهم واسرهم قصيرة، وسرعان ما ان تنقضي ، وتمتد لهم يد الموت، وسيغادرونها عرايا بلا اموال، وانما محملين بأوزار ثرواتهم التي منعوا بجزء منها السعادة عن غيرهم من المساكين، وتفريج كربهم، وهمومهم ، وليتذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ايما اهل عرصة امسوا وفيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله".

هؤلاء الذين يعيشون الحياة ببذخ مفرط ومنهم متهربون ضريبيا ، وغالبتهم يرون قصص الفقر التي يعج بها الوطن بلا اكتراث، ويمارسون دور المتفرج على معاناة اخوانهم على ابسط احتياجاتهم في الحياة ، ولا يلتفتون لخطورة ان تتطور المشاعر السلبية ازاء الوطن عليهم ان يراجعوا انفسهم وليسمعوا نداء الله تعالى الذي توعد فيه مانعي حقوق الفقراء، وليعلموا ان عليهم تقع المسؤولية الاخلاقية والدينية في مساعدة الفقراء على اجتياز محنتهم، وان لهم دور مفقود في اسناد وطنهم في هذه الظروف الحرجة، وخاصة في المناطق التي يتوسع فيها الفقر على حساب المشاعر الوطنية. عليهم ان يأتوا بزكاتهم، وصدقاتهم لبؤر الفقر التي تمثل خاصرة الدولة الرخوة، وان يهبوا لنجدة المسحوقين والمعوزين من اخوانهم. ويستطيعون ان يخصصوا جزءا من اموالهم لمناطق الفقر، وليساعدوا العاطلين عن العمل في ايجاد مشاريع صغيرة لهم، وهم قادرون على التخفيف من وطأة الفقر وقسوته في حياة من يستدينون ثمن الخبز في بعض القرى.

لا شك ان هنالك من الاغنياء من يقوم بواجبه، ولكن المسؤولية تقع على الجميع، واننا بحكم ما نرى ونشاهد من قصص للفقر تدمي القلب، وتبكي الحجر مدعوون لنقل الحقيقية ، وهم معنيون بسماعها، وهاجسنا في ذلك راحة الضمير، وحب الوطن.