الحكومة أمام أزمات 2020

ماهر أبو طير
تتسرب معلومات كثيرة حول الإجراءات الحكومية المحتملة مع مطلع العام المقبل، من اجل التخفيف من عجز الموازنة، والتعامل مع المديونية، وهي معلومات لا تسر خاطرا، ولا تشرح صدرا، وتقول لنا إننا بتنا على الحافة، وما بعدها.
 
هذه المعلومات يتم تسريبها بالتدريج لتهيئة الرأي العام، خصوصا، على صعيد ملفين، أولهما التعليم العالي حيث تؤشر المعلومات المتسربة ان النية تتجه لخفض دعم الجامعات الحكومية، تدريجيا، مما يعني ان هذه الجامعات قد تضطر في هذه الحالة الى رفع رسوم الطلبة، العام المقبل، او الذي سيليه من اجل تعويض الفروقات المالية.
 
ثانيهما ملف العلاج، والتوجه لخفض الإعفاءات الطبية، ووضع شروط جديدة، وجعل المواطن يدفع عشرين بالمائة من قيمة علاجه هذا في حال حصل على الاعفاء، وربط هذه الإعفاءات بوزارة الصحة فقط، إضافة الى ما يتسرب من توجه حول ملف العلاج من السرطان، واحتمال وضع ترتيبات جديدة، بسبب الكلف المرتفعة.
 
كل دول العالم، تواجه أزمات مالية، لكنها تتجنب قطاعين ولا تقوم بتحريرهما، او تركهما بلا حماية، وتحديدا قطاع التعليم، وقطاع الصحة، من اجل ترك شيء للمواطنين، بدلا من شعور المواطن، ان ظهره مكشوف في العراء، فلا تعليم مجانيا، ولا علاج مؤمنا، هذا فوق تراجع مستوى الخدمات في القطاعين.
 
ليس من مصلحة الحكومة الحالية ولا غيرها، العبث بقطاع التعليم، إذ إن الرسوم الجامعية أساسا مرتفعة، والعائلات الأردنية تعاني اشد المعاناة بسبب الرسوم الجامعية وكلف التعليم، هذا فوق ان كلف التعليم المرتفعة، تتحول لاحقا الى عقاب للعائلة، حين لا يعمل الخريج، واذا حصل على وظيفة، لا تغطي ابسط احتياجاته الشخصية، وبرغم كل ذلك تتفلت الجامعات من اجل رفع الرسوم، وكل عام نعيش قصة جديدة، مثل رفع رسوم بعض التخصصات، او برامج الماجستير والدكتوراه وغير ذلك، ولم يساعد التوسع في البرامج الدولية والموازية، في تخفيف مديونية الجامعات، ولا عجزها، واليوم تعود المعلومات للحديث عن دعم حكومي إضافي محتمل، لمرة واحدة، للجامعات لعام 2020، ثم خفض تدريجي للدعم، بما يعني ان رسوم التعليم في الأردن، سوف تخضع لتغيرات، وسوف ترتفع كلفة الساعات المعتمدة، وبما سيكون اثره المباشر على الناس أولا وأخيرا.
 
الجانب الثاني يتعلق بالخدمات الصحية، اذ على الرغم من ان القطاع الصحي في الأردن يعاني من مشاكل كثيرة، على صعيد رضى الأطباء والممرضين والعاملين بشأن رواتبهم، فوق اكتظاظ المستشفيات، وتراجع جودة الخدمات، وما يتعلق بنقص الادوية، والأجهزة الفنية، الا ان فاتورة العلاج وما يرتبط بالتأمين الصحي، او الإعفاءات باتت قصة أخرى، قد تخضع لتغيرات واسعة، خصوصا، مع الحديث عن معايير جديدة لمنح الإعفاءات، وهذا كلام يأتي توطئة لخفض فاتورة العلاج، وإدخال المواطنين في كلفة الفاتورة، هذا على الرغم من معرفة الجميع، ان لا مواطن مقتدرا يذهب في الأساس لمستشفى حكومي، وان النتيجة هي تضرر المحتاجين او أصحاب الدخول العادية، من هذا التوجه.
 
كل مرة نواجه ذات الازمة، لكن هذه المرة الازمة باتت اكثر تعقيدا، لأن الحديث اليوم، عن الإجراءات السابقة، ومعها خفض دعم الخبز، وربما الغاؤه كليا، ورفع الكهرباء والمياه، وإجراءات أخرى محتملة كلها ستكون من جيب المواطن، وهذا يعني دون تحريض على احد ان العام 2020 سيكون صعبا على الناس، بكل ما تعنيه الكلمة، حتى لو قيل لنا ان علينا ان نضحي من اجل سلامة الأردن، واقتصاده، وبنيته، امام وضع المديونية والعجز، وامام قسوة المؤسسات الدولية التي تقرض الأردن، وتفرض عليها وصفاته.
 
مهما تخلت الحكومة عن إجراءات فسوف تتخذ إجراءات بدلا عنها، قد تكون اصعب او أسوأ منها، وهذا يعني ان امامنا أعواما قاسية للغاية، لكننا نحذر منذ هذه الأيام، من كلفة ذلك على استقرار البلد، وحياة الناس، وعلى الحكومة الا تلعب في مساحات التعليم والعلاج، وتبحث عن بدائل لحل ازمة الخزينة، مع ادراكنا ان ما نحن فيه، ليس نتاجا من يدي هذه الحكومة، وحدها، بقدر كونه تراكما عبقريا لحكومات متتالية.
 
يبقى السؤال: من أين سيأتي الناس بالمال، من اجل تحمل كلف القرارات التي سنراها، وسيبدأ أثرها بالظهور خلال العام 2020 وما يتلوه من أعوام؟!
(الغد)