هل يعيد التاريخ نفسه؟! «ما أشبه اليوم بالأمس!»



بقلم : فراس الطيراوي / شيكاغو 
سأروي لكم قصة من التاريخ درسناها في الإعدادية، وأكاد اجزم ان الكل يعرفها لتروا ان التاريخ يعيد نفسه وما أشبه اليوم بالأمس ! عندما بكى العراقيون تذكرت قصة اخر ملوك الأندلس أبوعبدالله محمد الصغير, حين خرج من القصر الملكي, ووقف مع بعض فرسانه بسفح جبل الريحان, ومر موكب الملكين الكاثوليكيين (فيرناندو وإسابيل) فتقدم وسلم مفاتيح مدينة غرناطة عام 1491م, بعد سقوطها, ثم لوى عنان جواده موليًا, ووقف من بعيد يودع ملكًا ذهب, ومجدًا ضاع, وكان هو بأعماله وسوء رأيه سببا في التعجيل بضياعه, وسار بعيدًا في اتجاه المغرب, ثم صعد على ربوةٍ عالية تطل على قصور الحمراء, يتطلع إلى المجد الضائع, فلم يستطع أن يتمالك نفسه, فبكى حتى بللت دموعه لحيته, فقالت له أمه عائشة الحرة: «نعم, ابكِ كالنساءِ ملكًا لم تدافع عنه كالرجال»..!! 
وهذا ينطبق تماما على المتظاهرين في العراق الذين توشحوا بعلم بلدهم, وفي لحظات خامرها الألم والحنين, والخوف والندم, ذرفوا الدموع, وأنتحبوا كأطفالٍ صغار, انهمرت دموعهم على (وجنهم), وكان الألم بادياً على ملامحهم ويعتصر دواخلهم, ويمزق أحشائهم, وكان الوطن أيضاً حاضراً يتهاوى أمام أعينهم, فكانت الدموع أصدق مايعبرون به عن خوفهم على وطنهم, توالت الثورات وتعدد الثائرون وتوزعت هنا وهناك, ولكن حينما بكى العراقيون شعرت بمرارة وحرقة والم, وتهاوت أمامي كبرياء الرجال, فلم يبك العراقيون عبثاً ولا تمثيلاً ولا إستعطافاً ولكن يبكون وجعاً لوطنٍ كان يسود ويسير شامخاً مهاباً, 
بكوا  لانهم أدركوا أن ضياع الوطن ورجاله ليس بالأمر الهين أو السهل, ولان الأوغاد إن حكموا الأوطان فسيذلون أعزة أهلها وينكلونهم شر التنكيل بعد أن كانوا مُهابين شامخين يناطحون السحاب, فأنتشروا في أقطار الأرض يبحثون عن وطنٍ يأويهم ويلملم جراحهم ويجمع شتاتهم, ولكن أنى لهم ذلك, فالأوطان لاتوهب بل تُخلق بداخل أهلها, لم يكن مشهدا بسيطاً بالنسبة لي رغم أنني شاهدت مئات المشاهد الموجعة والمبكية وفي أقطارٍ عدة ولكن جرفني الألم والحنين والوجع على حال العراقيين فتذكرت  في تلك اللحظات الشامخ المٌهاب الشهيد القائد صدام حسين تغمده الله وأمطره بشآبيب رحمته الذي (تعفر) الساسة بذنبه وتخلوا عنه في لحظات ضعف وتركوه إلا أنه رحلا شامخاً وواقفًا كالأشجار كما كان,فلاحقتهم لعناته وذنبهم فماتوا أسوا ميتةٍ..عادة تختصر (الدموع) ملايين الكلمات وحكاية الوجع والألم فتخط على (خدود) أصحاب حجم ذلك البؤس الذي يعيشه ويعانيه, وفعلاً تجسد الألم في ملامح العراقيين وأختصر معاناتهم في دموع (رجالهم) الذين لم يأبهوا لكبريائهم ولا لرجولتهم بل تهادوا أمام ذلك الوجع وأنتحبوا ببراءة وحرقة, وسيظل العراقيون ينتحبون مابقي بداخلهم (قلوباً) تنبض, ودماء (تنساب) طالما وهم تنكروا لمن(صنع) منهم أبطال, وجعل منهم أعزة القوم, وستظل تلك (اللعنة) والذنب يلاحقهم جيلٍ بعد جيل وسنوات متلاحقه وأعمارٍ مديدة, 
فلابأس أيها العراقيون فالأقطار كلها تبكي والحسرات تسكن دواخلها فمن يهن يسهل الهوان عليه, ومن يُضع الأبطال والرجال فسيدفع ضريبة ذلك ضياع الأوطان والحياة.
ناشط وكاتب عربي فلسطيني عضو الأمانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام.