بين مغول الشرق وتَتار الغرب: القوة العربية والإسلامية خيارنا الوحيد
ش
بقلم : عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي
بين مغول الشرق وتَتار الغرب يظل السؤال مطروحًا على كل عربي ومسلم: هل نواصل التمني بسقوط أحدهما حتى يأتي الآخر، أم نبني نحن قوتنا المستقلة؟ في عالم تتسابق فيه القوتان العظميان على السيطرة، الصين تشبه المغول بصلابة مركزية وانضباط جماعي وقدرة على ابتلاع الموارد وإعادة تشكيل البنى عبر استثمارات ضخمة وشبكات اعتماد، بينما أمريكا تمثل التتار أو البيزنطيين، تفرض إرادتها بالقوة العسكرية والنفوذ السياسي وتتحكم بقرارات الدول الصغيرة وفق مصالحها. لا رحمة تُرتجى من أي منهما، وكل من يراهن على المنقذ الخارجي سيكتشف أن مصالحه ليست لنا.
الحقائق تثبت أن الانحياز لأي قوة عالمية على حساب سيادتنا يؤدي للخسارة. مشاريع الصين الاقتصادية، مثل الحزام والطريق، أظهرت أن جزءًا كبيرًا من القروض انتهى بدول تعاني ضائقة ديونية، الأمر الذي يجعل اعتماد هذه الدول على الممول عرضة للمساومات، بينما القمع الداخلي ضد الأقليات المسلمة يذكّر أن القوة الاقتصادية لا تعني بالضرورة عدلاً أو رحمة. الولايات المتحدة، بشبكة قواعدها ونفوذها العسكري، تجعل من الدول الصغيرة لاعبين تابعين غير قادرين على اتخاذ قرارات مستقلة، والتاريخ يعلمنا أن الاستسلام للقوة دون وحدة وطنية يؤدي إلى خراب دائم كما حدث في بغداد عام 1258 على يد المغول، وهو درس يجب أن نتذكره جيدًا.
التمني بسقوط أحد الطرفين ليس استراتيجية، فالمنقذ الخارجي لن يضع مصالحنا أولًا. كل قوة عظمى تحمي مصالحها بالمال أو التكنولوجيا أو التحالفات، والتضحية بالسيادة مقابل وعود استثمار أو حماية تفرغ الدولة من أدوات القرار. الحل هو المبادرة وبناء عناصر القوة الذاتية. المطلوب مشروع عربي وإسلامي طموح يدمج التكامل الاقتصادي الحقيقي من خلال منطقة تجارة حرة إقليمية، وشبكات طاقة ومواصلات تربط الدول وتقلل الاعتماد الخارجي، إلى جانب تصنيع استراتيجي مشترك في قطاعات حيوية مثل الغذاء والدواء والطاقة المتجددة والإلكترونيات، بحيث تُجبر الشراكات الأجنبية على نقل التكنولوجيا وبناء قدرات محلية.
يجب أن يقترن ذلك بتحالف أمني إقليمي عملي يشمل التعاون الاستخباراتي والدفاعي لحماية طرق التجارة والموانئ، مع إصلاح داخلي جذري لمحاربة الفساد وبناء مؤسسات شفافة واستثمار في التعليم والبحث العلمي والابتكار، ودبلوماسية متعددة الأقطاب تتيح عقد الشراكات كأدوات وليس كوسيلة لتسليم السيادة. من يصفق لصعود الصين أو يسعى لسقوط أمريكا ينسى أن النتيجة غالبًا فقدان هامش المناورة والسيادة، سواء عبر الديون أو القواعد العسكرية، وفي كل الأحوال نحن الخاسرون.
الخيار الثالث موجود وواضح: بناء قدرة ذاتية، لا الركون لأحد ليقرر مصائرنا، ولا التمني بانتظار طوفان خارجي. القوة بيدنا، وحدتنا بيدنا، وعظمتنا بيدنا، وبعزمنا نستطيع أن نصنع سفينتنا بأنفسنا قبل أن نركب سفن الآخرين، لنكون قوة رادعة تحمي مصالحنا وتفرض احترامنا في العالم.
إن بناء القوة الذاتية ليس مجرد شعارات، بل مشروع طويل ومؤلم يتطلب تضحيات سياسية، إعادة ترتيب الأولويات، ومشاركة واعية من الشعوب والنخب. كل يوم ننتظر فيه الخارج هو يوم نُفقد فيه فرصًا لتقوية الاقتصاد، الصناعة، التعليم، البحث العلمي، وبناء جيش وطني يحمي السيادة. التفرقة والخلافات الداخلية تجعلنا فريسة سهلة لكل قوة عظمى، فالمغول لم يتركوا بغداد إلا بعد خراب شامل، والتاريخ يعيد نفسه بصور مختلفة اليوم.
إذا أردنا أن نصبح قوة عالمية رادعة، علينا أن نختار الطريق الصعب لكن الصحيح، أن نضع سيادتنا أولًا، أن نعيد ترتيب صفوفنا العربية والإسلامية، أن نبني صناعاتنا، أن نطور دفاعنا، وأن نتحد خلف مشروع استراتيجي طويل المدى يجعلنا قادرين على تحدي أي قوة خارجية دون الحاجة للركون إلى أحد. بين نار أمريكا ورمضاء الصين، الخيار الثالث موجود، وهو وحدتنا وقوتنا وعزيمتنا