الشعوب تهتف لدولة ذات كرامة ..!


بقلم د. عبدالرحيم جاموس
العالم يعيش زمن التحولات السريعة، سياسية اقتصادية صناعية اجتماعية معرفية وثقافية، ومن يتخلف عن هذه التحولات سيكون في ذيل القائمة، ويعيش في خارج قانون العصر والمعاصرة، ومن يواكبها ويتَطور ويُطور أدواته ونظمه ووسائل كفاحه ويحافظ على قيمه الانسانية في الحرية والكرامة، ومواكبة ظروف العصر، يكون معاصرا لمتطلبات الحياة وتحولاتها المختلفة، ومن يتخلف عن ذلك وينشد استنساخ ماض ثبت عجزه في الماضي فلن يلحق بحركة التحولات والتغيرات التي تفرض نفسها على الحاضر والمستقبل، سيبقى محكوما لقوى الشد العكسي، المستفيدة من الأوضاع القائمة والبائسة...! 

هنا يقع مركز جدلية التحول والصراع بين قوى ماضوية اقلوية، تنتعش وتستفيد بل ارتبطت مصلحيا بماضويتها السياسية والثقافية والمعرفية، ترى في تلك التحولات الواجبة تهديدا لنفوذها وسلطتها ومصالحها، وبين اغلبية ادركت مصلحتها في ضرورة التحول والتغيير، ومواكبة روح العصر وما يقتضيه من تحول وتغيير في الوسائل والأدوات والنظم والقوانين وأساليب الحكم الناجح، لتحقيق كرامتها وقيمها الانسانية من جهة، وتلبية احتياجاتها وغاياتها ومصالحها الضرورية، والتي لم تعد تلك الأقلية المتحكمة والمتنفذة قادرة على تحقيقها أو حتى تحقيق التوازن والإنسجام بين استمرار مصالحها في النفوذ والهيمنة والاستحواذ من جهة واحتياجات ومصالح الاغلبية المحكومة من جهة اخرى ...! 

حين ذاك لن تجدي كل المسكنات التقليدية لتسكين الآم الأغلبية وتضليلها بما سبق من شعارات عفا عليها الزمن وتجاوزها الواقع .. فالإنتفاضة والثورة على تلك الأقليات العاجزة عن فهم احتياجات الأغلبية وإتخاذ ما يلزم من سياسات وإجراءات وتدابير تستجيب لمطالب الأغلبية في التحول والتغيير... 

وإذا ما تفحصنا ما شهدته منطقتنا العربية من انتفاضات وثورات خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، سواء في موجتها الأولى أو في موجتها الثانية فإنها تشترك في هتاف واحد وهدف واحد وهو نريد حياة كريمة ومواطنة مصونة ووطن واحد مصون وبالتالي نريد دولة ذات كرامة ..!. 

لا يمكن أن تتحقق الدولة ذات الكرامة، إلا إذا احترمت كرامة الانسان الموطن كونه إنسان ومواطن حر، وتمكنت من حماية الوطن وذادت عنه كل المخاطر والتهديدات، وحمت خيراته واستثمرتها لصالح الجميع وليس لصالح فئة متنفذة تسخر كل إمكانيات وخيرات الوطن لحسابها فقط .. وتفقد المواطن أبسط أسباب العيش الكريم وتغتال أمله في الحاضر والمستقبل .. 

عندها يفيض الكيل وتنفجر الثورة التي يختزن الواقع أسبابها في وجه الأقليات المتنفذة والفاسدة والعاجزة عن إنجاز احتياجات الدولة الناجحة ذات الكرامة ... 
 
إذا جمعنا الشعارات التي نادى وينادي بها جمهور الإنتفاضات العربية وغيرها اليوم من إنتفاضة الجزائر إلى لبنان إلى العراق إلى إيران .... فإنها تبلورت بهتاف واحد يؤكد على ضرورة التحول والتغيير وتحقيق الكرامة الانسانية، والمشاركة في تقرير السياسات وتقرير المصير .. وأن لا يبقى الوطن والمواطن رهين رغبة أقلية فاسدة متحكمة أهانت الوطن والمواطن، وعاجزة عن تحقيق أبسط شروط الحياة الكريمة لمواطنيها ..! 

من هنا كان الغلاء والفساد والتسلط والتجبر وفقد الكرامة المحرك الأول لهذه الانتفاضات والثورات ...
ما دفع الشعوب للثورة لتفرض إرادة التغيير على القوى المهيمنة والإطاحة بها ..
فالثورة تمحو ما قبلها...
والشعوب تريد دولة ناجحة ذات كرامة، تتحقق فيها كرامة الوطن والمواطن .. رغم كل الاتهامات التي تكيلها السلط المتنفذة في حق المنتفضين والثائرين ..! 

د. عبدالرحيم جاموس 

عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض ٢٤/١١/٢٠١٩م