الرجوب يكتب : ما بعد خطة ترامب: غزة بين خيار المقاومة والاستسلام

 

بقلم: عوني الرجوب
باحث ومحلل سياسي

طرحت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتسوية في غزة نقاشاً حاداً حول مستقبل المقاومة الفلسطينية، وما إذا كانت حماس ستقبل بتسليم سلاحها مقابل وعود اقتصادية، أم ستواصل خيارها الاستراتيجي في مواجهة الاحتلال. هذه الخطة، التي حملت اسم “السلام الاقتصادي”، بدت في حقيقتها محاولة لفرض واقع جديد على غزة، يهدف إلى تجريد المقاومة من سلاحها، وخلق بيئة خاضعة للمراقبة الإسرائيلية، مقابل وعود بمشاريع إعمار وتنمية لا تعالج جذور الصراع.

الخطة لم تأتِ من منطلق سياسي صادق، بل كرّست رؤية إسرائيلية قديمة: “الأمن مقابل الغذاء”. وقد تمحورت حول نزع السلاح من المقاومة، وفرض رقابة خارجية على غزة، واستثمار الدعم الدولي لامتصاص غضب الشارع، دون أن تلتزم أي جهة بحقوق الفلسطينيين الوطنية والسياسية. إنها محاولة لتصفية المقاومة بالقوة الاقتصادية والسياسية قبل العسكرية، لكنها تجاهلت واقع القوة والإرادة التي تتمتع بها حماس والفصائل الفلسطينية.

تاريخ الحركة والفصائل يؤكد أن الاستسلام ليس خياراً واقعياً. فالسلاح بالنسبة لحماس ليس أداة عسكرية فحسب، بل هو رمز للكرامة والهوية الوطنية، ووسيلة للحماية في مواجهة الاحتلال والحصار المستمر. التجارب السابقة، بدءاً من اتفاقيات أوسلو، أظهرت أن الاحتلال يستغل أي فترة تهدئة أو تفاوض للتوسع الاستيطاني وفرض وقائع جديدة. الشارع الفلسطيني يرى في سلاح المقاومة الضمانة الوحيدة لردع العدوان، ولن يقبل أن يُقايض بوعود اقتصادية. إضافة إلى ذلك، فإن حماس جزء من محور إقليمي للمقاومة، ما يجعل أي قرار من جانبها مرتبطاً بمعادلات أوسع على مستوى المنطقة.

رفض حماس للخطة هو السيناريو الأكثر واقعية، وما يترتب عليه واضح: تعاظم الضغوط الاقتصادية والسياسية على غزة، محاولة خلق فجوة بين الشعب والمقاومة عبر سياسة “الخبز مقابل السلاح”، حملات إعلامية دولية لتصوير حماس كمعيق أمام التنمية والسلام، احتمال تصعيد عسكري جديد من قبل الاحتلال، وتقوية محور المقاومة الإقليمي، مما يجعل أي مواجهة مكلفة وغير مضمونة النتائج على إسرائيل.

رفض الخطة يعكس وعي الشارع العربي والإسلامي بأن المقاومة هي الخيار الأكثر عدالة وفاعلية في مواجهة الاحتلال. استمرار المقاومة في غزة يشكل رسالة قوية إلى الشعوب المقهورة بأن الحقوق الوطنية لا تُقايض بالوعود المؤقتة، وأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع. السيناريوهات المستقبلية واضحة: استمرار الصراع مع حصار وجولات مواجهة، أو هدَن محدودة لتسهيل مرور بعض المشاريع الإنسانية دون التفريط بالقدرة العسكرية، أو توسع الصراع ليصبح جبهة إقليمية أوسع.

خطة ترامب لم تكن حلاً، بل محاولة لإخضاع غزة بالقوة الاقتصادية والسياسية، لكن التجربة التاريخية تؤكد أن الشعوب لا تُخضع إلا بالإرادة والقوة. التمسك بسلاح المقاومة، مع تطوير الأدوات السياسية والإعلامية والإنسانية، يبقى الخيار الاستراتيجي الواقعي. أي محاولة لفرض الاستسلام ستؤدي فقط إلى إطالة أمد الصراع وتعزيز قناعة الشعوب بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بالقوة والإرادة.

ما يجري اليوم في غزة ليس صراعاً محلياً، بل اختباراً لإرادة الشعوب الحرة أمام مشاريع الهيمنة والإخضاع. وعي الجماهير ودعمها للمقاومة هو السلاح الأهم في مواجهة أي خطة تستهدف الحقوق والكرامة، وهو ما يجعل غزة رمزاً للصمود في مواجهة الضغوط والسياسات الدولية الظالمة