الاحتجاجات تتخذ مسارا جديدا بالعراق
منذ أيام، تشهد العاصمة بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق، عمليات كر وفر بين القوات الأمنية والمتظاهرين؛ للسيطرة على عدد من الجسور الحيوية والطرق المهمة المؤدية إلى المنطقة الخضراء، أو الحقول النفطية والمنافذ والموانئ البحرية.
وشكلت جسور "الجمهورية، والسنك، والأحرار، والشهداء" أهمية كبيرة لدى المتظاهرين وقوات الأمن، لأنها تربط بين المنطقة الخضراء وسط بغداد والأحياء السكنية في المدينة، إذ تمكن المحتجون من السيطرة على الثلاثة الأولى، وعينهم على الرابع.
وفي محافظات الوسط والجنوب، أنهت القوات الأمنية بالقوة قطع المتظاهرين لعدد من الطرق المؤدية إلى ميناء أم قصر في البصرة وطرق حيوية بمحافظة ذي قار، وكذلك الحال في كربلاء والنجف، إذ لا يزال المتظاهرون يحاولون فرض سيطرتهم على بعض الطرق المهمة.
تمدد خطير
وعن تطور الأمور إلى تبادل فرض السيطرة على الطرق والجسور بين الأمن والمتظاهرين، قال المحلل السياسي عدنان السراج، إن "المتظاهر السلمي والحقيقي يتواجد في ساحة التحرير قرب جسر الجمهورية، ولم تحصل اشتباكات واحتكاكات مع القوات الأمنية، بل هناك مطالب ونوع من الاحتجاجات السلمية المطلبية، والأمور تجري بانسيابية واضحة".
ورأى في حديث نقلته صحيفة "عربي21" أن الخروج عن هذا السياق ومهاجمة الجسور وحرق المحلات، لا يراد منه إلا مسألة تصعيد موقف، ونوع من أنواع الإساءة للمتظاهرين من جهة، والإساءة إلى واقع حال الاحتجاجات التي لديها مطالب حقيقية من جهة أخرى.
وأشار السراج إلى أن "هذا التمدد خطير، قد ترفضه القوات الأمنية، ولكنه بحد ذاته يشكل ظاهرة لا تمت إلى المتظاهرين بأي صورة من الصور، وفي الوقت نفسه تعبر عن نوع من العدوانية والتخريب للممتلكات العاصمة والخاصة، ما يهدد السلم الأهلي بالخطر".
ولفت إلى أن القوات الأمنية يبدو أنها حتى اللحظة غير مخوّلة للتصدي إلى هؤلاء إلا بالعناوين الاعتيادية، دون استخدام السلاح والذخيرة الحية، أتصور حتى هذه الدقيقة الوضع بقي في كر وفر حول جسر الأحرار".
وبحسب السراج، فإن "القوات الأمنية قادرة على فرض سيطرتها، لكنها لا تريد وقوع ضحايا في صفوف الأبرياء من المتظاهرين، وأعتقد أن امتداد المظاهرات إلى جسري السنك والأحرار هو جزء من مخطط العناصر التي تريد التخريب على حساب المتظاهرين الحقيقيين على جسر الجمهورية".
وتابع: "إذا استمرت الأمور بالطريقة التخريبية هذه، فبالتأكيد سيكون صبر القوات المسلحة قد نفذ في اعتقال هؤلاء أو منعهم على أقل تقدير للتأثير في المظاهرات، لكن في واقع الحال الأمور الآن متروكة للكر والفر بين المتظاهرين والقوات الأمنية".
مضاعفة الضغط
وعلى صعيد المتظاهرين أنفسهم، رأى الناشط، الذي فضل أن يتحدث باسم "يونس"، أن قطع الطرق والجسور حوّل مسار المظاهرات بشكل كبير، وجعلها أكثر حيوية.
وقال "يونس" إن "قطع الجسور والطرق يمثل وسيلة جديدة لشل حركة الدولة العراقية، والضغط على الحكومة والطبقة السياسية لتنفيذ مطالب المتظاهرين، التي خرجوا من أجلها، وهي إقالة الحكومة، وإبعاد الطبقة السياسية الحالية عن الحكم".
وأضاف: "الحكومة والقوى السياسية تفكر أن حصر المتظاهرين في أماكن محدودة في ساحة التحرير وأماكن أخرى من المحافظات الثائرة سيضعفهم ويصيبهم بالملل وبعدها يعودون إلى بيوتهم، وخصوصا مع قدوم فصل الشتاء".
وبخصوص الهدف من قطع الجسور في بغداد، قال "يونس" إن المتظاهرين يسعون بعدما سيطروا على جسر الأحرار، إلى فرض سيطرتهم على جسر الشهداء الذي يعتبر أهم نقطة تربط العديد من المناطق التجارية وهي الشورجة، إضافة إلى مقر البنك المركزي.
وأكد أن المتظاهرين باتوا لا يأبهون بالقنابل الغازية التي يطلقها الأمن عليهم، وكلما سقط عدد من المحتجين بين شهيد وجريح، فإن حجم الاحتجاجات "يزيد لأن ذلك يدل على أن القوى التي تسرق العراق منذ 16 عاما ترفض الاستجابة لمطالب المحتجين، وتلجأ إلى قتلهم".
وبخصوص حرق المحال التجارية في المناطق التي يسيطر عليها المتظاهرون، قال "يونس" إن "هذه الأفعال تخريب، ولا نرضى بها أبدا، ونعتقد أن جهات تسعى بشكل متعمد إلى تشويه صورة المتظاهرين، وتأليب الناس التي تضامنت معهم".
ولفت إلى أن "العديد من المحال التجارية في منطقة السنك سلمت إلى أصحابها ولم ينقص منها مسمار واحد، إذ كان المتظاهرون هم من يحرسونها بعد انسحاب القوات الأمنية، ويشهد الكثير من التجار على ذلك".
وقطع المحتجون، اليوم الاثنين، عددا من الطرق، بين محافظتي بابل وكربلاء، وأهم الطرق في النجف، كما أنهم قطعوا أغلب الجسور والطرق في مدينة الناصرية في محافظة ذي قار جنوب العراق.
ودخلت الاحتجاجات شهرها الثاني منذ استئنافها في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث يطالب المتظاهرون بحل البرلمان، وإقالة الحكومة، والذهاب إلى انتخابات مبكرة بإشراف أممي، وإبعاد الطبقة السياسية التي تدير مقاليد الحكم في البلد منذ 16 عاما.