«المقاومة» إذ تطلق النار على أقدامها
عريب الرنتاوي - في لبنان، كما في غزة، تبدو «المقاومة» كمن يطلق النار على قدميه، تختلف الظروف والسياقات، لكن النتيجة واحدة.
في لبنان، تبدو المقاومة «محشورة» بين تحديين: مذهبيتها وشغفها بالسلطة ... في غزة، تبدو «المقاومة» «محشورة» بين تحديات ثلاثة: «إسلاميتها بدل وطنيتها»، «تماهيها» بالسلطة، وتوقها للحفاظ على «تهدئة مستدامة»، أو طويلة الأجل على الأقل، مع الاحتلال.
في لبنان، أخذت «المقاومة» منذ انطلاقتها بعداً مذهبياً ضيقاً ... «مذهبيتها» تزداد ضيقاً، وما شهدناه خلال الأيام الثلاثة أو الأربعة الفائتة، ينذر بنهايتها إن لم يجر تدارك الأمر على عجل ... المقاربة المذهبية، هي «كعب أخيلها» فهي لا تبعد عنها مكونات أخرى، بل تستعديها ... والخطير في الأمر أن القائمين ينسون في معرض إحساسهم بـ»فائض القوة» أن الشيعة في المنطقة، والعالم الإسلامي برمته، يظلون «أقلية» بكل المقاييس، وأن تقلبات الزمان قد تعرض بيئتهم الحاضنة لشتى أنواع الأخطار ... فالضعيف لا يبقى ضعيفاً، والقوي لا يبقى قوياً، وقد أدرك هذه الحقيقة عدد من رموز الشيعة من ذوي البصر والبصيرة، ومن غير «شيعة السفارات» بالتأكيد.
وفي لبنان أيضاً، قلنا ونقول: أن السابع من أيار 2008، غير قابل للتكرار من دون كلف أعلى «المقاومة» وعلى الجميع من دون استثناء، دع عنك أنه لا يمكن بحال من الأحوال النظر إليه بوصفه «نموذجاً» لحل النزعات الداخلية ... اليوم، نضيف أن تجربة الجمع بين «السلطة» و»المقاومة» قد ثبت فشلها في كل مكان، وأن تجربة «الجلوس على مقعدين» تكلف أصحابها خسارة السلطة والمقاومة على حد سواء.
وفي غزة، لا تكف «المقاومة» عن توجيه الرسائل، للداخل والخارج، حول جاهزيتها للتهدئة، مقدمة للبقاء على عرش السلطة ... حتى إن صحيفة «هآرتس» نشرت تقريراً هاماً عن تلقي «المستوى العسكري» في إسرائيل رسائل حماس، واستعداده للاستجابة لمقتضياتها، بما فيها النظر لـ»المقاومة» بوصفها شريكاً محتملاً لإدامة التهدئة والوفاء بالتزاماتها، بل ويبدي المستوى العسكري استعداده لتقديم «جوائز ترضية» بعيدة المدى، بما فيها مشاريع بنية تحتية في مجال الطاقة والمياه والطرق، فضلاً عن توفير فرص عمل لمزيد من العمال الغزيين، وبصورة – إن تمت – ستدخل «المقاومة» في دهاليز «السلطة» ومندرجاتها، فلا يبقي منها أثر، ووفقاً للصحيفة ذاتها، فإن ما استوقف المستوى العسكري في إسرائيل هو إحجام حماس عن الالتحاق بالجهاد الإسلامي في آخر مواجهة عسكرية ضد إسرائيل.
ننتهي إلى ما كان الجدل الأوسع حول «المقاومات العربية» قد بدأ به قبل سنوات وعقود ... «المقاومة» تكون وطنية، أو لا تكون، أقله على المدى الأبعد والاستراتيجي ... وللمقاومة مقتضيات ومندرجات لا تنطبق بالضرورة مع حسابات السلطة وتحسباتها، والجمع بين الأمرين كالجمع بين «الإمارة» و»التجارة» ... و»المقاومة» مهما عظمت رسالتها، لا يجب أن تقع في مستنقع الاستعلاء، ولا يجب أن تحيط رموزها وقادتها وسياساتها وتكتيكاتها بـ»هالة من القداسة»، فهي كأي حركة سياسية وحزبية، عرضة للخطأ والأنانية والفساد والإفساد، وشرط ديمومتها يكمن في تفادي أي اختلال في علاقاتها مع بيئتها وشعبها، وحين تختل هذه العلاقة، فالملام والمدان هو «المقاومة» وليس الشعب والحاضنة، تلكم معادلة أثبتتها تجارب التاريخ القديم والحديث، فهل ثمة من يلقي السمع وهو شهيد؟