ورقة سياسات

 

محاربة الفساد: بناء النزاهة في المشتريات العامة وتنفيذ المشاريع

إعداد:

المهندس نبيل إبراهيم حداد

مستشار في الهندسة والصناعة وإدارة المشاريع

الامين المساعد/ حزب الانصار الأردني 

الملخص التنفيذي

يُعد الفساد في المشتريات العامة أحد أكبر التحديات التي تهدد النمو الاقتصادي المستدام والثقة العامة. فهو يقوّض الكفاءة، ويثني المستثمرين، ويحوّل الموارد عن الخدمات الأساسية.

وفي الأردن، ما تزال ثلاث ظواهر متكررة  وهي طلب الخدمات المجانية، وإعادة الطرح غير المبررة، والإعلانات غير المنتظمة للعطاءات  تضعف مصداقية المؤسسات وتعيق المنافسة العادلة.

تطرح هذه الورقة أربع إصلاحات رئيسية تهدف إلى تعزيز الشفافية والمهنية والمساءلة في نظام المشتريات العامة:

حظر طلب الخدمات غير المدفوعة من قبل المؤسسات العامة.

تنظيم جميع حالات إعادة الطرح والتحقيق فيها.

ضمان نشر جميع العطاءات بشفافية وفي وقت مبكر من السنة المالية.

إرساء عملية عطاءات منظمة متعددة المراحل تضمن العدالة والوضوح الفني.

إن تنفيذ هذه الإصلاحات سيُعزّز الحوكمة، ويحمي المال العام، ويجعل من الأردن نموذجًا إقليميًا في النزاهة في المشتريات وإدارة المشاريع.

الخلفية

تشكل المشتريات العامة نسبة كبيرة من الإنفاق الوطني، وتلعب دورًا حاسمًا في تطوير البنية التحتية والصناعة وتقديم الخدمات.

ومع ذلك، فإن ضعف النزاهة الإجرائية  خصوصًا الممارسات غير الرسمية مثل طلب "الخدمات المجانية" (التي تُبرّر أحيانًا بأنها "استشارة" أو "عمل دعم")، وإلغاء العطاءات دون مبرر، وعدم انتظام نشر الإعلانات  يقوّض الكفاءة ويضعف الثقة بالمؤسسات العامة.

وتؤدي هذه المخالفات إلى أضرار متعددة:

 يتحمل المقاولون أعباء مالية غير عادلة وغموضًا في نطاق العمل.

تفقد المؤسسات العامة مصداقيتها وميزانياتها وجداولها الزمنية.

 وفي النهاية، يتحمل المواطنون الكلفة من خلال مشاريع عامة متأخرة أو منخفضة الجودة أو غير مكتملة.

ولعكس هذا الاتجاه، لا بد من وضع قواعد أخلاقية صارمة وأنظمة شفافة وآليات مساءلة فعالة.

أهداف السياسات

ضمان النزاهة والمساءلة في جميع ممارسات المشتريات الحكومية.

القضاء على الاستغلال أو الإكراه في علاقة المقاول بالمؤسسة.

منع التلاعب والمحسوبية في إجراءات الطرح والتقييم.

تعزيز الشفافية والتخطيط المسبق وقابلية التنبؤ في المشاريع العامة.

رفع مستوى المهنية والفهم الفني في تنفيذ المشاريع.

التوصيات السياساتية

1. حظر طلب الخدمات المجانية

يجب على جميع المؤسسات والجهات الرسمية التوقف عن طلب أي خدمات غير مدفوعة أو غير متعاقد عليها من المقاولين. ويشمل ذلك جميع موظفي الجهات الحكومية أو ممثلي العملاء الذين يطلبون خدمات خاصة، سواء كانت لأغراض المشروع أو لأغراض شخصية.

التعليمات:

 يجب توثيق جميع الأعمال الإضافية بأوامر تغيير معتمدة.

 يخضع أي موظف يطلب أو يقبل خدمات مجانية لإجراءات تأديبية وقانونية.

 يجب حماية المقاولين من أي انتقام نتيجة رفضهم تنفيذ طلبات غير تعاقدية.

الأثر المتوقع:

تعزيز النزاهة، تقليل التشوهات في تكاليف المشاريع، وتحسين العلاقة بين القطاعين العام والخاص.

2.  وقف إعادة الطرح غير المبررة للمشاريع

يجب تقييد عمليات إعادة الطرح ومراقبتها بدقة لمنع إساءة استخدامها أو التلاعب بنتائجها.

التعليمات:

لا يجوز للجهات الطارحة إعادة طرح المشروع بشكل أحادي.

 يجب أن تخضع كل حالة إعادة طرح لتحقيق مستقل من قبل جهة رقابية محايدة مثل هيئة النزاهة ومكافحة الفساد أو ديوان المحاسبة.

 في حال ثبوت التلاعب، يُمنع المسؤولون أو المستشارون أو المقيمون المتورطون من المشاركة في أي عطاءات مستقبلية.

 إن غياب المواصفات الفنية الواضحة أو وصف المشروع أو التمويل الكافي يُعد نقصًا في المهنية، ويجب محاسبة المسؤولين عنه تأديبيًا.

في الحالات المبررة لإعادة الطرح، يجب استبعاد نفس المقيمين أو المستشارين من المشاركة في العملية الجديدة.

الأثر المتوقع:

حماية سرية العطاءات، تقليل فرص التلاعب، وزيادة ثقة السوق.

3.  نشر جميع العطاءات العامة بشفافية وفي وقت مبكر

يجب أن تكون الشفافية وقابلية التنبؤ محور عملية المشتريات الحكومية.

التعليمات:

 يجب نشر عنوان ووصف كل مشروع فور اعتماد الموازنة العامة.

 يجب نشر جميع العطاءات بشكل علني وإبقاؤها متاحة طوال فترة الطرح.

 يجب أن تتضمن الإعلانات نطاق المشروع، الكلفة التقديرية، مصدر التمويل، والجدول الزمني.

 لا يجوز طرح أي عطاء ما لم يكن تمويله مثبتًا في الموازنة المعتمدة.

الأثر المتوقع:

تحسين التخطيط والتنسيق، والقضاء على الطروحات الانتقائية أو ذات الطابع السياسي.

4.  تطبيق عملية عطاءات منظمة متعددة المراحل

لضمان العدالة والوضوح والاتساق الفني، يجب أن تتبع جميع العطاءات العامة تسلسلًا محددًا من المراحل يعزز الشفافية والفهم المشترك.

التعليمات:

أ) مرحلة التأهيل المسبق: فحص الشركات المهتمة من حيث الكفاءة الفنية، والملاءة المالية، والخبرة ذات الصلة قبل السماح بالمشاركة.

ب) تقديم العرض الفني: يقدم المتأهلون عروضًا فنية مفصلة تتضمن المنهجية والموارد والالتزام بمتطلبات المشروع.

ج) مرحلة التوضيح والمواءمة: تُعقد اجتماعات رسمية لتوحيد الفهم للمواصفات ونطاق المشروع وإزالة أي غموض أو لبس، ويجب توثيق محاضر هذه الاجتماعات ونشرها لضمان الشفافية.

د) تقديم العرض المالي: بعد وضوح جميع الجوانب الفنية فقط، يتم تقديم العروض المالية بحيث تعكس الأسعار فهمًا موحدًا لمتطلبات المشروع.

الأثر المتوقع:

منافسة عادلة وذات أسس فنية قوية.

 تقليل النزاعات بعد الترسية ومطالبات التغيير.

 رفع جودة المشاريع وتعزيز الشفافية في التقييم.

آليات التنفيذ

الإصلاح التشريعي: تعديل نظام المشتريات العامة ليشمل عملية العطاءات متعددة المراحل، ويحظر طلب الخدمات المجانية، وينظم قرارات إعادة الطرح، ويُلزم بنشر خطط المشتريات السنوية مسبقًا.

الرقابة المؤسسية: إنشاء لجنة النزاهة في المشتريات العامة تحت إشراف هيئة النزاهة ومكافحة الفساد للإشراف على الالتزام وتطبيق المساءلة.

 بوابة الشفافية: إطلاق البوابة الوطنية للمشتريات لنشر جميع العطاءات السنوية والتوضيحات ونتائج التحقيقات.

 التدريب وبناء القدرات: تقديم برامج إلزامية في أخلاقيات العمل والمشتريات لجميع موظفي المشتريات والاستشاريين الحكوميين.

 حماية المبلّغين: إنشاء أنظمة إبلاغ آمنة تضمن السرية والحماية من الانتقام المهني لكل من يكشف عن ممارسات غير نزيهة.

آلية التقييم:

إجراء مراجعة سنوية مشتركة بين وزارة المالية وديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد لتقييم الأداء وفق المؤشرات المحددة.

 نشر النتائج في "تقرير النزاهة في المشتريات العامة" السنوي، المتاح للمواطنين والمستثمرين.

 تُحال الانتهاكات المتكررة أو ذات الخطورة العالية إلى مراجعة إدارية فورية وإعلانها للعموم.

الخاتمة

الفساد في المشتريات العامة ليس أمرًا حتميًا، بل يمكن منعه عبر قواعد صارمة وأنظمة شفافة وتطبيق حازم.

ومن خلال حظر طلب الخدمات المجانية، وتنظيم إعادة الطرح، وضمان نشر العطاءات في وقت مبكر وبشفافية، وإرساء عملية عطاءات متعددة المراحل، يمكن للأردن أن يبني منظومة مشتريات تعكس النزاهة والعدالة والفخر الوطني.

إن الدولة التي تطبّق العدالة في المشتريات تحمي اقتصادها ومواطنيها في آنٍ واحد.

إخلاء المسؤولية

إن الآراء والمواقف الواردة في هذه الورقة تعبّر فقط عن رأي الكاتب المهندس نبيل إبراهيم حداد، ولا تعكس الموقف الرسمي لأي جهة حكومية أو مؤسسة ذات صلة. والمعلومات الواردة مخصّصة للوعي العام ولا تُعد نصيحة مهنية أو قانونية أو فنية. وعلى الرغم من بذل أقصى الجهود لضمان الدقة، فإن الكاتب غير مسؤول عن أي أخطاء أو نتائج مترتبة على استخدام هذا المحتوى.

تم تحرير هذا المحتوى بمساعدة الذكاء الاصطناعي، ويُسمح باستخدامه أو إعادة نشره أو تعديله بحرية دون الحاجة إلى إذن مسبق، مع التقدير في حال الإشارة إلى المصدر.