عيون تراقب المواطن... وطرق لا ترى النور!

 

بقلم ..سوزان أبو بكر

في الوقت الذي تتسابق فيه الجهات المعنية لتركيب 5500 كاميرا لرصد المخالفات المرورية، يبدو أن حفر الشوارع، والإنارات المطفأة، والتشققات في الطرق الرئيسية والفرعية لا تدخل ضمن "نطاق الرؤية" لأي من هذه العدسات الذكية!

مشروع الكاميرات الضخم، الذي قد يُسوّق له تحت عناوين السلامة والحد من الحوادث، يثير تساؤلات حقيقية: هل الهدف فعلاً حماية الأرواح؟ أم تضييق الخناق على الجيوب؟
فلا يعقل أن تُراقب السيارات بالذكاء الاصطناعي، بينما الطرق نفسها تعاني من غياب أبجديات الصيانة: مطبات عشوائية، شوارع بلا خطوط مرورية واضحة، أنفاق مظلمة، وتقاطعات أشبه بالفخاخ!

نتحدث عن مشروع ضخم، يمتد على مستوى المدن والشوارع والطرقات، وتُسخّر له أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، وجهود إدارية وهندسية هائلة، في الوقت الذي لا تزال فيه شوارعنا تغصّ بالحفر، وتفتقر إلى الإنارة، وتفتقد أبسط مقوّمات السلامة المرورية. فأي عدالة تلك التي تحاسب المواطن على سرعة زائدة في شارعٍ بلا لوحة إرشادية؟ وأي منطق ذلك الذي يغرّم السائق لأنه لم يلتزم  في طريق اختفت معالمه منذ سنوات؟

العدسات تراقب بدقة مذهلة، تلتقط اللوحة خلال جزء من الثانية، تُرسل المخالفة في لمح البصر، وتُخصم النقاط دون أي تردد. لكن لا كاميرا ترصد حفرةً تسببت في حادث مروّع، ولا نظام آلي يبلّغ عن طريق مظلم تقطعت فيه أرواح بريئة، ولا تنبيه يصدر عن تقاطع مهمل تحوّل إلى ساحة فوضى مرورية يومية.

المواطن لا يعارض النظام، بل يطالب به، لكنه يرفض أن يُطبق عليه  قانون لا يُنصفه، بل يثقل كاهله بالغرامات في ظل بيئة مرورية غير مؤهلة أصلًا للسير الآمن. ما جدوى الرصد إن لم تُصلَح الطرق؟ ما فائدة الإنذار إن كانت الأرصفة مكسرة، والمطبات عشوائية، واللوحات باهتةفي شوارع فرعية او رئيسية، والخطوط المرورية مطموسة؟

أين الأولويات؟ هل أصبحت المخالفة هدفًا بحدّ ذاتها؟ هل نحتاج إلى المزيد من العدسات لنملأ الخزينة، أم إلى عدالة مرورية شاملة تبدأ من البنية التحتية لا من جيب السائق؟ هل تريدون السلامة فعلًا؟ إذن ابدأوا بصيانة الطرق، بإضاءة الشوارع، بتنظيم الإشارات، بتوفير مسارات آمنة للمشاة، ثم بعد ذلك حاسبوا السائق، لا قبل.

يؤلمنا أن نُعامل كمتّهمين دائمين، أن نُلاحق بالكاميرات في كل زاوية، في حين لا نجد من يُراقب تقصير الجهات الخدمية. لماذا لا توجد "كاميرا ذكية" ترصد تأخّر الصيانة؟ أو فساد مشاريع الطرق؟ أو غياب التنسيق بين الجهات؟ لماذا لا تكون هناك مساءلة للمسؤول الذي يرى طريقًا متهالكًا ولا يُحرّك ساكنًا؟

إن ما يحدث اليوم ليس نظامًا، بل نصف نظام. نظام يطبّق على المواطن، ويُستثنى منه المسؤول. نظام يُراقب من يخطئ، لكنه لا يُحاسب من أهمل، ولا من خطط، ولا من قصّر في إنشاء بيئة مرورية سليمة وآمنة.

لا نرفض التقنية، بل نطالب بتوظيفها بإنصاف. لا نرفض الرقابة، بل نطالب أن تبدأ من الجهات المسؤولة لا من المواطن فقط. نريد طريقًا ممهدًا، آمنًا، مضاءً، قبل أن نتحدث عن الرصد الآلي والغرامات الإلكترونية. نريد سلامة حقيقية، لا مجرد شعار يُسوّق عبر الكاميرات

الرسالة واضحة أصلحوا الطرق قبل أن تراقبوا السائقين. لا تحولوا الحفر إلى مصائد، ثم تحاسبوا الضحية على رد فعله. لا تُقيموا نظامًا يراقب المخالفة، ويتجاهل الأسباب التي أدت إليها.

إذا كانت الكاميرات قادرة على رؤية لوحة السيارة من 100 متر، فهل تعجز عن رؤية الحفرة أمامها؟
أم أن هناك أشياء لا تُرصد، لأنها ببساطة... لا تُدر دخلاً؟