“الطيبة حين تُطعَن… تصمت، لكنها لا تموت.”
بقلم د عوني الرجوب
العتب كبير، لكنه لا يُعيد ما انكسر، ولا يُصلح ما أفسده خذلان القلوب. فالطيبون هم نبع الأصالة والرجولة والشرف
كم هو موجع أن تمنح الناس صفاءك، فيقابلوا نقاءك بالخذلان، وأن تفتح لهم أبواب قلبك، فيدخلوا إليه وهم يحملون نوايا لا تشبه نواياك.
كنت أؤمن أن الصداقة ودّ واحترام، وأن الطيبة قَدَرٌ جميل يزرع في النفس راحةً وطمأنينة. تعاملت مع الجميع بصفاء نية، أقدّر المواقف، وأحفظ الودّ، وأغفر الزلات. لم أتعلم الخداع، ولم أجيد المكر، ظننت أن حسن النية يكفي ليردّ الناس الوفاء بالوفاء.
لكنّ التجربة علّمتني أن الطيبة وحدها لا تحميك، وأن حسن الظنّ قد يكون سلاحًا ذا حدّين.
فالناس لا يتشابهون؛ فيهم من يراك كما أنت، وفيهم من يرى في طيبتك فرصةً للاستغلال.
تعطي بلا تردد، وتسامح بلا حساب، ثم تكتشف أنك كنت تسير في طريقٍ واحد، بينما الآخرون كانوا يسيرون نحو مصالحهم.
حينها يتسلل الحزن إلى أعماقك، ويهتزّ فيك الإيمان بالمبادئ التي كبرت عليها.
تتساءل بصمتٍ مؤلم:
هل العيب فيّ لأني أثق بسرعة؟ أم فيهم لأنهم لا يستحقون الثقة أصلًا؟
الحقيقة أن الطيبة ليست عيبًا، بل اختبارٌ للنقاء في زمنٍ تلوّثت فيه القلوب.
الخطأ ليس في أن تكون صادقًا، بل في أن تتوقع الصدق من كل أحد.
فالقلوب لا تُقاس بالكلمات، بل بالمواقف.
ومع ذلك، لن أتغيّر.
سأبقى كما أنا، أتعامل بصفاءٍ، وأمنح الثقة لمن أراه أهلًا لها، وأتعلّم من التجارب دون أن أفقد إنسانيتي.
فالطيبة ليست ضعفًا، بل قوة لا يملكها إلا من تربّى على النقاء.
وإن خذلني البعض، فالله لا يخذل قلبًا أحسن النية، ولا يضيع ودًّا صادقًا مهما طال الزمان