التسوق عبر الإنترنت يفقد " الجمعة الاسود" ميزاته

نشأت فكرة التنقل بين الأسواق التجارية غداة عيد الشكر بحثا عن العروض المغرية أساسا في الولايات المتحدة، غير أن "الجمعة الأسود” بدأ يفقد من بريقه في مهد هذه المناسبة بفعل التنزيلات الدائمة وازدياد معدلات المشتريات عبر الإنترنت.
ويبقى هذا اليوم المعروف باسم "بلاك فرايداي” أهم أيام السنة لكثير من التجار كما أن كثيرين ما يزالون يصطفون في طوابير لساعات طويلة متحدين البرد القارس للإفادة من العروض قبل فوات الأوان، بتشجيع من أكثرية المتاجر الكبرى التي تفتح أبوابها منذ السادسة صباحا إن لم يكن على مدار الساعة.
غير أن الإقبال هذه السنة يبدو أدنى من السنوات الماضية، وهو ما كانت توقعته استطلاعات للرأي أجريت أخيرا بينها استطلاع لشركة "برايس ووترهاوس كوبر” الاستشارية أظهر أن 36 % من الأشخاص المستطلعة آراؤهم مهتمون بعروض "الجمعة الأسود”، بعدما كانت النسبة 59 % في 2015.
وأشارت الشركة إلى عوامل عدة اجتمعت في السنوات الأخيرة تحفز المستهلك الأميركي على الإعراض عن عروض "بلاك فرايداي”.
فللمرة الأولى، قررت أكثرية (54 %) من بين الأشخاص الذين استطلع آراءهم معهد "بي دبليو سي” ابتياع حاجياتها لأعياد نهاية العام عبر الإنترنت بدل النزول إلى الأسواق.
وفي يوم عيد الشكر، أنفق المستهلكون الأميركيون للمرة الأولى أكثر من أربعة مليارات دولار عبر خدمات التجارة الإلكترونية (4,2 مليارات دولار أي بزيادة نسبتها 14,5 % مقارنة مع العام الماضي)، بحسب شركة "أدوبي أناليتيكس”.
وثمة دور أيضا لما سمي بـ”تأثير أمازون” نسبة إلى المجموعة الأميركية العملاقة في مجال التجارة الإلكترونية التي غيّرت العادات الاستهلاكية بفعل المناسبات التجارية المتكررة التي تنظمها (بينها "برايم داي” و”سايبر مانداي”)، مع خدمات توصيل سريع آخذة في التطور.
ومن الأسباب الرئيسية أيضا هو أن مواسم التنزيلات باتت تبدأ في مواعيد أبكر في كل سنة، وأحيانا منذ مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، ما يشجع الأميركيين على شراء حاجياتهم لفترة أعياد نهاية العام من دون تأخير.
وهذا المنحى بات سائدا خصوصا لأن التدابير الإجرائية ترغم التجار على الإغلاق لستة أيام خلال فترة الأعياد.
وفيما بات يوم "الجمعة الأسود” يمثل في أوروبا رمزا للمنحى الاستهلاكي المفرط ومساوئه، وفي ظل ازدياد الدعوات لمقاطعة هذا اليوم، تبقى هذه الانتقادات هامشية في بلد يهوى سكانه بشدة البحث عن الصفقات التجارية المربحة.
وهذه السنة، يعتزم المستهلكون الأميركيون إنفاق 1047,83 دولارا في المعدل خلال فترة عيدي الميلاد ورأس السنة، أي بارتفاع 4 % مقارنة مع العام الماضي بحسب الاتحاد الأميركي لتجارة التجزئة.
وأشار رئيس الاتحاد ماثيو شاي في بيان إلى أن "المستهلكين يتمتعون بوضع مالي جيد”.
ولشهري تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر)، من المتوقع أن تزداد مبيعات التجزئة بنسبة تقرب من 4 % مقارنة مع 2018 لتراوح بين 728 مليار دولار و731 مليارا.
وسيخصص الحيّز الأكبر من ميزانية مشتريات الأعياد إلى شراء الهدايا (658,55 دولارا) لتليها المأكولات وشراء بطاقات المعايدة والزينة مع 227,26 دولارا، ثم الإفادة من التنزيلات التجارية مع 162,02 دولارا، وفق الاتحاد.
وبصورة عامة، بقي الاستهلاك الذي يشكل المحرك التقليدي للنمو في الولايات المتحدة حيث يمثل 70 % من إجمالي الناتج المحلي الأميركي، في معدلات عالية في الربع الثالث رغم أثر الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب، بحسب آخر الأرقام الرسمية المتوفرة التي نشرتها الإدارة الأميركية الأربعاء.
وقد سجل هذا الاستهلاك ارتفاعا بنسبة 2,9 % مع ازدياد كبير (8,3 %) في النفقات على المنتجات المستدامة، مثل السيارات والأدوات الكهربائية المنزلية.
وفي المحصلة، بقي النمو الأميركي عند معدلات صلبة بين تموز(يوليو) وأيلول (سبتمبر) مع تقدم بنسبة 2,1 % في معدل الثروات الوطنية.
وقد وصلت نسبة البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ خمسين عاما كما أن الرواتب تسجل تقدما وإن كان طفيفا.
وتنسجم هذه الأرقام مع التفاؤل الذي يبديه رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، إذ وصف هذا الأخير الاثنين الظروف الاقتصادية في البلاد بأنها "جيدة عموما”، مؤكدا أن أطول فترة نمو متواصل للاقتصاد الأميركي والتي تستمر منذ 11 عاما، هي على الطريق الصحيح للبقاء لفترة أطول.
ومع أن الروح المعنوية لدى الأسر الأميركية تراجعت قليلا في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، لكنها لا تزال في وضع جيد وفق لين فرانكو مديرة المؤشرات الاقتصادية في "كونفرنس بورد” التي تقيس هذا المعدل بواقع مرة كل ثلاثة أشهر.
وقالت هذه الخبيرة الاقتصادية "لا مؤشر إلى أن المستهلكين يريدون تقليص نفقاتهم”.