أسوأ أنواع النفاق، النفاق السياسي ومثله النفاق التاريخي ..!


بقلم د. عبدالرحيم جاموس

النفاق وصف ممقوت بكل اشكاله ومستوياته، وقد جاء وصف المنافق على لسان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في قوله (آية المنافق ثلاث ،اذا حدث كذب وإذا أؤتمن خان......) الحديث. 



فأول صفات المنافق هي صفة الكذب، وهي ابشع الصفات التي يتصف بها البعض، وقال فيها الرسول الكريم (المسلم لا يكذب) وقال صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) نعم لهذه الدرجة الكذب صفة سيئة، وآفة خطيرة يتصف بها المنافقون في كل عصر وفي كل مكان لما تحمله من تضليل وخداع مرفوض، وقد حذرنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال: المسلم لا يكذب...!

تجد للأسف الكثيرين يبررون لأنفسهم الكذب ليمارسوا ابشع صور النفاق والتضليل، ومن اناسٍ غير عاديين وليسوا من العامة البسيطة، وإنما من الخاصة والنخبة ذوي التأثير في السياسة والاقتصاد ...الخ . 



لكن يستوقفني السياسيين حينما يكذبون، لما لأكاذيبهم من خطورة بالغة تلحقُ بالعامة، جراء كذبهم او تضليلهم لأصحاب القرار من مسؤولين وحكام، ويدفعونهم لإتخاذ قرارات خاطئة او مواقف خاطئة بناء على اكاذيبهم، يكون وقعها واثرها بالغ الخطورة على المجتمع وربما على الدولة بأكملها، هنا تكمن خطورة واهمية البطانة الصالحة للحاكم والمسؤول .. لأن صلاحها او فسادها، وصدقها او كذبها، سينعكس على مواقف وقرارات هذا الحاكم او المسؤول ايجابا او سلبا...!

ومن اخطر اشكال النفاق والمنافقين أولئك الكتاب والبحاثة الذين يمارسون النفاق وبالتالي الكذب على الاحياء والاموات في آن واحد، وهنا اقول: ان من ابشع صور النفاق هو النفاق التاريخي، عندما يقوم الكاتب او الباحث او المؤرخ بقلب الحقائق التاريخية وتزويرها، ونسج حقائق مغايرة لما حصل وما وقع من احداث سالفة .. ويضلل الناس والعامة منهم بما يقدم من معلومات ووقائع مزورة وتقلب الحقائق التاريخية رأسا على عقب ..! 



من هنا تتجلى اهمية الموضوعية في تسجيل الاحداث والوقائع على اختلافها سواء منها المعاصرة أو الماضية اي التاريخية ...! 



لذا تأتي الصدمة بالغة عندما يكون النفاق والكذب ممن يجب ان يكونوا امناء على الحقيقة ونقل وتسجيل الحقائق على اختلافها بكل شفافية وموضوعية، كي يستقيم الفهم لها وكي تؤخذ منها العبر دون تزوير اوتضليل ... 



لكن المطبلين والمزمرين لا يتورعوا عن نفاق الماضي والتاريخ ومحاولة صياغته وفق ما يرضي البعض لا كما هي الحقيقة الصادمة والتي تدين البعض..! 



إن سيادة النفاق والمجاملة على حساب الحقيقة وقلبها او تغييرها، سواء كانت حقائق تتعلق بالتاريخ ودروسه او تتعلق بالحاضر، وما ينتج عنها من كذب وتضليل وما يترتب عليها من خذاع، يعتبر من اخطر الآفات التي تقود الى ابشع صور الفساد المدمر للثقافة والسياسة بكل مستوياتها .. 



ان الباحثين والكتاب والأدباء والصحفيين والمستشارين مسؤوليتهم في هذا الشأن بالغة في الدفاع عن الحقيقة والموضوعية العلمية، التي تتجلى فيما يكتبون او ما يسجلون او ينقلون من آراء او حقائق، إنهم يتحملون وزر كذبهم إن حادوا عن نقل الحقائق كما هي بكل تجرد ومسؤولية وموضوعية بعيدة عن الهوى والنفاق ..!

للأسف في ظل الثورة الاعلامية وثورة الاتصالات التي يعيشها عالمنا المعاصر ... بات الكذب والنفاق مستشريان، والاعلام الكاذب حرفة وارتزاق للكثيرين، ممن يزورون ويكذبون ويعملون على تغيير الحقائق وتزويرها خدمة او تضليلا لمشغليهم وارباب نعمهم ولغيرهم ... فتضيع الحقيقة ويتوه العامة في معرفة الصدق من الكذب ويفقدون القدرة على الفصل بينهما...! 



لذا إن من أسوء أنواع النفاق وما يترتب عليه من كذب بواح وتضليل خطير هما (النفاق السياسي والنفاق التاريخي) لإتساع دائرة ضررهما واثرهما على العامة.. 



ليس كل مايكتب او ينشر عبر اية وسيلة من وسائل النشر والاعلام يعتبر حقيقة، بل الأكثر منه بات كذبا ونفاقا وتزويرا أو تشويهاً للحقيقة ... 



بناء عليه يجب التعامل بحذر شديد مع كل ما يكتب او ينشر سواء عن الماضي او الحاضر و ضرورة التحقق من صدقيته وموضوعيته قبل البناء عليه .. وعدم الأخذ به كمسلمات دون محاكمتها والتأكد منها ..!

د. عبدالرحيم محمود جاموس

عضو المجلس الوطني الفلسطيني ..

الرياض 28/11/2019م