امل خضر تكتب حين ينهض الضوء من بين العتمة… التعليم الدامج ليس خدمة، بل ثورة إنسانية صامتة


في اليوم العالمي لذوي الإعاقة، لا نُحيي “قضية” كما يظن البعض، بل نحيي اختباراً أخلاقياً يتعرض له العالم كل يوم هل ما زلنا نرى الإنسان قبل أن نرى إعاقته؟ وهل نملك الشجاعة لنصنع مدارس لا تفرز البشر بين “قادر” و”غير قادر”، بل تصنع جيلاً يرى التنوع قوة لا عبئاً؟
لماذا التعليم الدامج؟ لأن العزل أخطر أنواع الإعاقةلم يكتب أحد بما يكفي عن الحقيقة الموجعةأن أعظم إعاقة يواجهها طفل ليس الكرسي المتحرك، ولا جهاز السمع، ولا صعوبة النطق بل جدار اللامبالاة الذي يبنى حوله حين يُستثنى من صف، أو يُستبدل حضوره بظلّ، أو يُعامل كضيف لا كطالب كامل الحق.
التعليم الدامج ليس “تسهيلات”، بل تحرير.تحرير للطفل من العزل وتحرير للمجتمع من عمى القلوب.
مدارس تملك عيوناً تبصر القلوب
في المدارس الدامجة، يتحول الاختلاف إلى قصّة نجاح.
هناك، يتعلم طفل من ذوي الإعاقة أن العالم واسع بما يكفي لاستقباله
ويتعلّم الطفل الآخر أن القوة ليست في التفوق وحده، بل في الوقوف إلى جانب من يحتاجه.
إنها مدارس تعلّمنا درساً لم يدرسه العالم بعدأن بعض القدرات لا تُقاس بالعلامات، بل بقدرة الإنسان على عدم ترك أحد خلفه.
الأثر الحقيقي مجتمع أكثر إنسانية، لا مجرد طالب متعلّم
لم نكتب بما يكفي—كعالم—عن كيف يصنع التعليم الدامج مواطناً
أكثر تسامحاً،
أكثر نضجاً،
أكثر قدرة على قيادة مجتمعه،
وأكثر فهماً لفلسفة الاختلاف التي تنهض عليها كل حضارة ناجحة.
فالمدرسة التي تُعلّم أبناءها كيف يحترمون اختلاف زميلهم، ستُخرِج قائداً لا يحتاج إلى أن يعيد تعلم الإنسانية حين يكبر.
وصمة بلا صوت ومقاومة بلا ضجيج
هناك أبطال صامتون معلم يعدّل منهاجه في الليل،
وأمّ تحمل العالم على كتفيها كي تفتح باباً لابنها،
وطفل يقاوم نظرة المجتمع كل صباح وهو يحمل حقيبته.
وكل هؤلاء لا ينتظرون اليوم العالمي، بل يحاربون كل يوم لكي يكون الحق حقاً، لا مناسبة.
إن التعليم الدامج ليس مسؤولية وزارة أو مدرسة فقط.
إنه اختبار وطني، وامتحان ضمير عام، ومرآة تكشف إن كنا مجتمعاً يرتقي بكل أبنائه أم مجتمعاً لا يزال يختبر إنسانيته.
ولن يتغير شيء…
ما لم نؤمن بأن دمج طفل واحد يعني رفع مستوى وطن بأكمله.
في اليوم العالمي لذوي الإعاقة، نحن لا اكتب مقالاًاكتب دعوة ثورة هادئة
أن تصبح كل مدرسة حارسة للحلم
وكل معلم صانعاً لكرامة
وكل مجتمع شريكاً في إنقاذ طفل من أن يصبح رقماً على هامش الحياة.لأن الإعاقة ليست في الجسد
الإعاقة الحقيقية هي حين يفشل المجتمع في رؤية الإنسان كاملاً.