معركة المكدوس

 

عاطف أبو حجر

مع بداية فصل الشتاء، تبدأ ربات البيوت بالاستعداد للحدث السنوي الأعظم: تجهيز مكدوس الباذنجان. في هذه الفترة تنقلب البيوت رأساً على عقب، ويتحوّل الزوج من رجلٍ حرّ إلى ساعي بريد ومورّد بضائع، مهمته الأساسية تنفيذ قائمة “المونة” بحذافيرها… وإلا فالويل ثم الويل!

فالزوجة – ما إن تسمع كلمة “موسم المكدوس” – حتى تتسلّم دفّة القيادة وتجهّز كشفاً مفصّلاً بالمواد اللازمة، كشفٌ لا يقلّ في ضخامته عن تجهيزات رحلة إلى سطح القمر:

ما لا يقلّ عن 20 كيلو باذنجان حلو، على أن تكون الحبة صغيرة بحجم البيضة البلدية.

3 كيلو جوز عين الجمل بحبات متماسكة.

إوقية ثوم.

فلفل أحمر حلو.

تنكة زيت زيتون – حتى لو كانت من زيت السنة الماضية.

قطرميزات للتخزين.

 

وخلال هذه الفترة، تشهد الأسواق ازدحاماً يشبه مواسم التخفيضات العالمية؛ رجال ونساء يتنقلون في كل زاوية وكأن كلاً منهم يستعد لصناعة صاروخ… لا لتحضير مكدوس!

أما داخل البيت، فالمشهد لا يقلّ إثارة: الزوجة تتحوّل بيوم وليلة إلى شيف محترف، ترتدي عباءة المسؤولية وتبدأ بإعطاء الأوامر وكأنها ستصنع الذرة، بينما هي في الحقيقة تقوم بعملية بسيطة في ظاهرها، لكنها تبدو كدرسٍ مختصر في مختبر علوم:

“سلق الباذنجان عشر دقائق، تمليحه، وضع حجر ثقيل أو ثلاث طوبات ريّبس عليه لتصفيته من الماء. وبعد ثلاثة أيام تُحشى الحبة بالجوز والثوم والفلفل والزيت، ثم تُخزّن في القطرميز… وبعد أسبوعين يُصبح جاهزاً للأكل.”

هكذا، ببساطة ساحرة، تُقدَّم “أسطورة المكدوس” للناس، رغم أنّ العملية لو وُصفت خارج سياقها لاعتُبرت مشروعاً تجريبياً، لا طبقاً تراثياً من مطبخ البيت!

ويبقى موسم المكدوس امتحاناً سنوياً للصبر والجيوب والأعصاب، طقساً عائلياً لا يمكن الهروب منه مهما حاول الرجل التظاهر بالانشغال. فالمكدوس ليس مجرد مؤونة شتوية، بل حدث منزلي وطني يشترك فيه الجميع؛ تُرفع خلاله الأحجار كما تُرفع المعنويات، وتُقلب معه حبات الباذنجان… كما تنقلب الأدوار!

وفي نهاية المطاف، يدرك الزوج – بعد طول معاناة – أن المكدوس ليس طبقاً يُؤكل، بل ملحمة تُعاش… ملحمة تنتصر فيها الزوجة كل عام، وينهزم الزوج بلا مقاومة، ثم يعود ليشارك في الموسم القادم وكأنه لم يتعلم بعد.

فالمكدوس…

هو المعركة الوحيدة التي تُخاض بروح الدعابة، وتُختتم دائماً بانتصارٍ عارم للسيدات، وخسارةٍ “مشرفة” للرجال، وشتاءٍ دافئ تفوح منه رائحة الفلفل والزيت والجوز… ورائحة الحكايات التي لا تنتهي.