يكفيها الجفاف فلم الانحراف ؟!
ابراهيم عبدالمجيد القيسي - لا أعلم ما جدوى التشكيك مثلا بتصريح مسؤولي وزارة كالزراعة، حول عدد زوار مهرجان الزيتون الذي انتهى السبت الماضي، وحين يقوم مواطن عادي بالتعبير عن عدم «تصديقه» لهذه التصريحات، فالأمر ليس بالجديد ولا نتوقف عنده. لذلك يكون رصينا وحصيفا الرأيُ حين يلتزم بالموضوعية .
القطاع الزراعي هو الركيزة الأزلية للوجود الأردني، علما أن الأزلية تعني القديمة، ولست أجزم بأنها ستكون الركيزة الأبدية..لكنني أتحدث عن أنها ركيزتنا المتاحة في هذا الوقت، رغم شح المياه والجفاف والانحسار المطري، معلومة تدعمها أرقام دائرة الإحصاءات العامة، فتأثير القطاع الزراعي على النمو غالبا في المراكز الثلاثة الأولى بين القطاعات بعد كل إحصائية تصدر عن الدائرة في تقرير ربعي، فهو قطاع حيوي، لكنه ما زال بالنسبة لبعضنا يحتاج اكتشافا أو ربما كشوفا جغرافية ليعرف شيئا عن مقدرات وتراب بلده وخبرات أبنائها.
في الظرف الطبيعي لا يمكننا مجاراة البلدان التي تعوم على الماء في الانتاج الزراعي وأسعار وجودة منتجاتها، وهنا مكمن التزام وزارة الزراعة بحماية المنتج المحلي وحماية مئات آلاف الأسر التي تعتاش من هذا القطاع، لكنه كلام لا يروق لبعض أصحاب الأعمال وبعض التجار، فمقولة الحماية للمنتج والمزارع الأردنيين، تقف حجر عثرة في طريق صفقاتهم وتحدّ من مساحات طيران رؤوس أموالهم، التي تتقصى التكاثر دونما التفات لفقير يعتاش من شجيرات زرعها حول منزله، أو محصول ما، أمضى موسما أو عاما كاملا يرعاه، ويقترض ويترجّى(اللي يسوى واللي...)، واعدا بالسداد وقت الحصاد أو «ع البيدر»، بينما هناك من يقف منتظرا موعد البيدر ليغرق السوق بمنتج استورده رخيصا متربصا العرض للمنتجات المحلية، ليقدم سعرا منافسا، قد لا يبلغ سعر التكلفة بالنسبة للمنتج المحلي، هذه الحالة من التربص التجاري الذي هو مشروع تماما في منطق وقوانين السوق فعنوانه العريض (التنافس الحر)، لكنه لن يكون حرا ولا تنافسا فعليا في بلد شحيح المياه، ولا موارد أخرى لتلك الأسر البسيطة سوى ما يثمر عنه عرقهم وتعبهم طوال العام.
حتى وإن تعارضت حكاية المنتج المحلي مع قوانين التجارة العالمية، فإن بلدا فقيرا محدود الموارد ومحاصر بالأزمات الإقليمية في كل جواره، لا يملك ترف مثل هذا الالتزام، ويكفينا الإشارة هنا الى موقف (أمريكا العظمى) من هذه القوانين والحريات في مسألة الأزمة الاقتصادية المالية التي ضربت العالم قبل عدة أعوام، وكيف قامت بدعم شركات من المال العام كشركة (جنرال موتورز) المعروفة، وحمتها من الانهيار، فهل يستكثر علينا البعض أن تقوم الدولة بدعم وحماية القطاع الزراعي والمزارعين والاستثمارات الأردنية والعربية والأجنبية العاملة فيه على الأرض الأردنية.
إن لم يسعف البعض أن تقترب من هذا القطاع وتكشف عن ثقافات اقتصادية وتنموية كثيرة غائبة لتفعيلها، الذي يعتبر طوق نجاة في مثل هذه الظروف الصعبة للدولة أو للمزارعين أو على الأقل لبعض الأسر الريفية، كثقافة التسويق وأفكاره الملهمة في فعالية كمهرجان الزيتون مثلا، فعلى الأقل يتوقف أو يعدّ للمليون قبل التشكيك والاستعراض والفزعة لبعض تجار السوق والسياسة أو وضع العصي في دواليب مؤسسات تنجز وتقدم شيئا نوعيا وملموسا.