اتفاقية تعدين النحاس في أبو خشيبة بين سلامة الإجراءات وواجب الطمأنة الوطنية

 

بقلم: المهندس نبيل إبراهيم حداد
مستشار الهندسة والصناعة وإدارة المشاريع

أصدرت وزارة الطاقة والثروة المعدنية بيانًا توضيحيًا حول اتفاقية تعدين النحاس في منطقة أبو خشيبة، استعرضت فيه المراحل القانونية والتنظيمية التي مرّ بها المشروع منذ توقيع مذكرة التفاهم عام 2022 وحتى إحالة مشروع قانون التصديق على الاتفاقية التنفيذية إلى مجلس الأمة. ولا شك أن هذا البيان يُحسب للوزارة من حيث الشفافية الإجرائية وإيضاح المسار القانوني، وهو حق أصيل للرأي العام في القضايا المرتبطة بالثروات الوطنية.

من الناحية الدستورية والتشريعية، فإن اعتماد قانون المصادر الطبيعية رقم (19) لسنة 2018، ونظام مشاريع استغلال المعادن الاستراتيجية رقم (76) لسنة 2020، إضافة إلى إخضاع الاتفاقية للمادة (117) من الدستور، يعكس التزامًا واضحًا بالأطر القانونية السليمة، ولا يمكن القفز فوق هذه الحقيقة أو إنكارها.

غير أن سلامة الإجراءات القانونية، على أهميتها، لا تكفي وحدها لإغلاق باب النقاش العام، ولا تُغني عن الحاجة إلى طمأنة وطنية أوسع تمس جوهر الاتفاقية وجدواها وتأثيراتها الاقتصادية والبيئية بعيدة المدى.

أولًا: الشركة المنفذة والقدرة المالية

أوضحت الوزارة أن شركة “وادي عربة للمعادن” شركة أردنية مسجلة أصوليًا، تتمتع بشخصية اعتبارية كاملة، ويبلغ رأس مالها المدفوع نحو 1.428 مليون دينار. وهنا يبرز تساؤل مشروع لا يُقصد به التشكيك، بل التحليل الموضوعي: هل يتناسب هذا الحجم من رأس المال مع طبيعة مشروع تعدين استراتيجي عالي الكلفة والمخاطر؟ وهل تم توضيح مصادر التمويل المستقبلية، والضمانات المطلوبة، وحدود التزامات الدولة في حال تعثر المشروع؟

هذه أسئلة طبيعية في أي مشروع سيادي، والإجابة عنها بشفافية تعزز الثقة بدل أن تُضعفها.

ثانيًا: اتفاقية الراعي المباشر

إدراج نموذج اتفاقية الراعي المباشر، حتى مع التأكيد على عدم وجود نية حالية لتفعيله، يفتح بابًا مشروعًا للنقاش حول المستقبل، لا الحاضر فقط. فالمطلوب طمأنة الرأي العام بأن أي شريك تمويلي أو فني محتمل سيبقى خاضعًا لموافقة حكومية صريحة، وضمن ضوابط سيادية واضحة، وبما لا يؤثر على السيطرة الوطنية أو على جوهر الاتفاقية أو شروطها المالية.

ثالثًا: العوائد المالية وجدوى الاستثمار

ما ورد بشأن الإتاوات التصاعدية التي تتراوح بين 3% و10% من الإيراد الكلي، إضافة إلى الضريبة على الأرباح غير المتوقعة التي قد تصل إلى 50%، يُعد إطارًا ماليًا متقدمًا من حيث المبدأ. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن هذا النطاق ليس خارج المعايير الدولية المعمول بها في قطاع تعدين النحاس.

فغالبية الدول المنتجة للنحاس تعتمد إتاوات مباشرة (Ad-Valorem Royalties) تتراوح عادة بين 2% و6%، مع لجوء بعض الدول إلى نسب تصاعدية ترتبط بأسعار المعادن أو بهوامش الربح. وعليه، فإن الحد الأدنى المقترح (3%) يُعد ضمن المعدلات العالمية الطبيعية والتنافسية، في حين يُعتبر الحد الأعلى (10%) مرتفعًا نسبيًا، لكنه يبقى مقبولًا دوليًا عندما يُطبَّق بصورة تصاعدية وفي حالات ارتفاع الأسعار أو تحقيق أرباح استثنائية، وبما لا يؤثر على الجدوى الاقتصادية للمشروع أو على قدرته التمويلية في مراحله الأولى.

ومع ذلك، يبقى الرأي العام بحاجة إلى ما هو أبعد من النسب، ويحتاج إلى أرقام تقديرية واضحة، وسيناريوهات أسعار النحاس العالمية، ونقطة التعادل، وحصة الدولة الصافية مقارنة بالمخاطر الاقتصادية والبيئية.

رابعًا: البعد البيئي والمجتمعي

رغم الإشارة إلى الأطر البيئية الحاكمة، يبقى هذا الملف الأكثر حساسية، خاصة في منطقة ذات خصوصية بيئية وتاريخية مثل وادي عربة. وهنا لا يكفي الالتزام بالنصوص القانونية، بل المطلوب نشر دراسات الأثر البيئي بشفافية، وضمان وجود رقابة مستقلة وفاعلة، وإشراك المجتمعات المحلية كشريك في القرار والمنفعة، لا كمتلقٍ للنتائج فقط.

خامسًا: التحكيم والسيادة القانونية

إخضاع الاتفاقية للقانون الأردني واعتماد اللغة العربية في التحكيم يُعدان نقطتي قوة مهمتين. أما اختيار غرفة التجارة الدولية في باريس كمقر للتحكيم، فهو إجراء متعارف عليه دوليًا، لكنه يحتاج إلى شرح أوسع للرأي العام يؤكد بوضوح أن مكان التحكيم لا ينتقص من السيادة القانونية للدولة ولا يحد من قدرتها على حماية مصالحها الوطنية.

خلاصة

إن استثمار الثروات الطبيعية ليس مجرد ملف قانوني أو استثماري، بل هو قضية سيادية وتنموية بامتياز تمس حاضر الدولة ومستقبل أجيالها. وما بين الحرص على جذب الاستثمار وحماية المصلحة الوطنية، يبقى الحوار المفتوح، القائم على الأرقام والحقائق، هو الطريق الأسلم لبناء الثقة وتعزيز التوافق الوطني.

فالمطلوب اليوم ليس فقط التأكيد على قانونية الاتفاقية، بل إقناع الأردنيين بأنها عادلة، ومجدية اقتصاديًا، وآمنة بيئيًا، وتحفظ حقوق الدولة والأجيال القادمة في ثرواتهم الوطنية.

إخلاء المسؤولية

يمثّل هذا المقال الآراء الشخصية والتفسيرات والانطباعات المهنية للمهندس نبيل إبراهيم حداد، وهو مخصّص لأغراض معلوماتية وتثقيفية فقط، ولا يُعدّ بأي حال من الأحوال استشارة مهنية أو قانونية أو تعاقدية.
وقد بذل الكاتب أقصى الجهود الممكنة لضمان دقة المعلومات الواردة، إلا أنه لا يتحمّل أي مسؤولية أو التزام من أي نوع عن أي أخطاء أو سهو، أو عن استخدام أو الاعتماد على المعلومات أو الآراء الواردة في هذا المقال. ويُشجَّع القرّاء والمؤسسات على ممارسة حكمهم المهني الخاص وتكييف ما ورد فيه بما يتناسب مع ظروفهم الخاصة.