من أسقط الآخر : الإخوان أم إيران ..؟؟

عمر شاهين
مع سقوط نظام بشار الأسد، لم يُعثر على قوات إيرانية؛ كانت قد انسحبت تمامًا. وبات واضحًا أن حزب الله خسر خيرة قياداته في الجنوب اللبناني وقدراته، وتحوّل من حزبٍ طاغٍ على الساحة اللبنانية إلى حزبٍ صامتٍ يتلقّى الضربات الإسرائيلية، ويتهم الداخل من الخصوم الضعفاء الذين أصبحوا – مع الزمن – أكثر قوة.
أصبح الحزب محاصرًا وحيًّا، فإيران نأت بنفسها عن إسعافه، وأُغلقت الخاصرة السورية، برًّا وبحرًا، التي كانت توصله بطريق المال والسلاح من إيران إلى العراق فسوريا. أُغلق الطريق تمامًا، دون عودة.
تزامن هذا مع سلسلة إغلاقات للوجود البنيوي لجماعة الإخوان المسلمين؛ إذ حُجبت في الخليج منذ السنوات الماضية، وكذلك في مصر مع عهد عبد الفتاح السيسي، ثم تقلّصت في الكويت، ولاحقًا حُظرت في الأردن، حيث آخر أماكن حضورها. وأعلن الرئيس أحمد الشرع أن سوريا لن تكون الوطن البديل للإخوان المسلمين، كي لا يكسب عداء الخليج، بالرغم من النفوذ القطري والتركي، وبعقلية الشرع السياسية.
كانت خسارة مشتركة في نفوذ المقاومة الإسلامية في غزة، الوجه الجهادي لجماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط، وكذلك خسارة اليد الإيرانية الضاربة في لبنان.
في العقود الثلاثة الأخيرة، باتت الشراكة الإيرانية واضحة وثابتة بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين، عبر دعم إيران لحركة حماس. وكان هذا الدعم عسكريًا، لم تسمح الجماعة بأن يتحول إلى شراكة مذهبية تتخلل الخطاب الديني للإخوان؛ أي إنها شراكة عسكرية سياسية، لا عقائدية. حافظت بها الجماعة على ألّا يتخلل الفكر الشيعي المتناقض تمامًا مع العقيدة السنية التي تتزمت لها الجماعة، وتعتبرها أصل وجودها، بل نهضتها، تزامنًا مع الدعوة السلفية. فلا يمكن لمس خطاب شيعي واضح في أدبيات الإخوان، في علاقة قد تبدو غريبة وتحتاج إلى كتاب مفصّل لا يتّسع له مقال.
تلك العلاقة، التي نمت مع الجفاء العربي السني مع حماس، استغلتها إيران، وانفردت بها مع الحركة عسكريًا عبر الحرس الثوري أو حزب الله، وهو ما اعترف به قادة حماس أنفسهم.
حتى جاءت المعركة الفاصلة، وهي الحرب السورية بين المحكوم السني الشعبي وبين النظام السوري ذي المرجعية العلوية، حليف إيران منذ انطلاق الثورة، مع بدايات الثمانينيات، حيث متّنها عداء نظام حافظ الأسد والخميني ضد نظام صدام حسين.
رفضت حماس أن تدخل الحرب؛ لا مع سنة سوريا وأرضيتها الشعبية، ولا مع الإخوان المسلمين الذين خاضوا حرب استنزاف طويلة ضد نظام حافظ الأسد انتهت بأحداث 1982، ولا مع حلفاء حليفهم نظام بشار الأسد الذي فتح لهم دمشق. فانسحبت قيادات حماس من سوريا مبكرًا، لتتقدّم رسالة مهمة جدًا وتاريخية، مفادها: نحن حلفاء مع إيران ضد العدو الإسرائيلي، ولكن لن نكون شركاء في حرب أهلية وضد مكوّن سني.
وبالرغم من التدخل الإيراني العسكري في سوريا، مع حزب الله بكل ثقلهما، لم تقطع إيران علاقتها مع حماس، ولم توجه لها تهم الخيانة أو التحريض؛ فقد كان ذلك التحالف آخر خيط تمسكه إيران مع المجتمع السني، بالرغم من أن الإخوان في كل العالم كانوا ضد النظام السوري بشكل علني.
كان النظام السوري فعليًا يتفتت، وهو الأرض الأخيرة لإيران، التي قدّمت المال والسلاح والمنظمات والقيادات، وضحّت بقبول المجتمع السني لحزب الله.
عندما دخلت حماس حرب أكتوبر 2023، تفاجأت إيران وحزب الله بتلك الحرب، وتحدث حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، عن ذلك علنًا في أحد خطاباته.
كانت إيران وحلفاؤها يقولون دومًا إن سوريا هي طريق القدس والتحرير، دون أن تطلق ميليشياتها رصاصة واحدة من الجولان.
لكن نصر الله وجد نفسه أمام الحرب دون قدرة على الحياد، بالرغم من الكلام الإيراني العبثي المعتاد. فلم تضع حماس وحدها في المواجهة، بل اقتحمت تلقائيًا معها حلفاء إيران من حزب الله والحوثيين في اليمن. ودخل نصر الله تدريجيًا في الحرب، معلنًا عدم قدرته على الوقوف حياديًا، لينهي السكون الإيراني في سوريا ولبنان.
هو أمام موقف حرج في حرب ظهر منذ بدايتها أنها فاصلة وليست مؤقتة، ولا نعرف تحديدًا: هل كان ذلك بموافقة إيرانية تدرك ثمنه، أم قرارًا داخليًا لحزب الله؟
لينتهي عهد الثرثرة والشعارات الإيرانية، وتبدأ حرب مواجهة حقيقية، صنعتها حماس، أو – إن صح التعبير – نقلت الجبهة من حالة التنظير واللغة الخطابية إلى المواجهة الفعلية.
خسرت حماس معظم بنيتها التحتية في غزة، ولا نعلم مصير وجودها هناك في الأشهر الماضية، فيما خسر حزب الله قياداته التاريخية، وقدراته العسكرية، ووجوده الأمني في مطار وميناء بيروت، وانسحبت قياداته ومعسكراته من الجنوب اللبناني.
تغيّرت المعادلة؛ فمن كان يقول إن إيران وضعت أقدام الإخوان أو حماس في الوحل الإيراني المكروه من المجتمع السني، خصوصًا بعد ما فعلته في العراق وسوريا، يرى اليوم أن حماس سحبت الأقدام الإيرانية إلى المواجهة الفعلية، وكأنها تقول: لن تبقى إيران حليف خطابات فقط.
ومع تسلسل الأحداث، يُسقط نظام بشار الأسد، ويُستبدل بنظام أحمد الشرع، الذي يُعدّ عدوًا تقليديًا لإيران، لتنتهي الحقبة الإيرانية في الشرق الأوسط.
ويبقى السؤال البنيوي:
من ورّط الآخر؟
إيران التي أقنعت حماس بأنها ظهرها الحامي، أم حماس التي قالت لإيران: كفى خطابات ومهرجانات في طهران، ولنخض تجربة حاسمة؟
هذا السؤال يفتح تساؤلًا أقدم، يلاحقني منذ تسعينيات القرن الماضي: طالما وجدت إيران في جماعة الإخوان المسلمين حليفًا قريبًا لها في الشرق الأوسط، فلماذا لم تُقرّب العلاقة بينهم وبين حافظ الأسد؟ ولماذا بقي هذا اللغم صامتًا حتى انفجر مع الربيع العربي في وجه النظام الابن، بشار الأسد؟ ألم يكن نظام حافظ الأسد حليفًا لإيران، وكذلك الإخوان؟ خصوصًا في عهد بشار الأسد؟ أم أن الحرس القديم في النظام السوري كان يرى التقارب مع الإخوان انتحارًا داخليًا؟
استفسارات تراودني، يلخّصها العنوان:
من ورّط الآخر، وأنهى وجوده في الشرق الأوسط: إيران أم الإخوان؟
فكلاهما، مع النتيجة العسكرية، أغلق باب وجوده في الإقليم.
*عمر شاهين 
كاتب ومدون اردني