فلسطين .. كل فرنجي برنجي
الشريط الإخباري :
بقلم: ميساء أبو زيدان.
"لفتَ الخبير الإسرائيلي .. قالت المستشارة الأوروبية لشؤون الشرق الأوسط .. حذّرَ الفيلسوف والعالِم الأمريكي مِن .. جاء في مذكرات الموظفة بوحدة الشرق الأدنى .. كشفت تسريبات رسائل هيلاري .. أشار الضابط الإسرائيلي .." وغيرها الكثير من العناوين الرئيسية التي تتربع على عرش اهتمام ومتابعة قادة وخبراء ونخب الشأن السياسي وصُنّاع الرأي في منطقتنا كما نحن الفلسطينيّون. وبعيداً عن تشخيص واقع الحال في هذا المضمار أو معايير وآليات القراءة الفاعلة لمجريات الأحداث وطبيعة التحالفات ودلائل المواقف بالإطار الدولي أوالإقليمي أوالعربي، والضرورة المُلِحّة لإجرائها خاصةً بدوائر صنع القرار والسياسات، يظهر أن المأسسة لهذا المجال لدينا أو في محيطنا لا زالت بطور البدايات وبمستوى لم يُواكِب التطور المُتسارع الوتيرة الذي يشهده لدى الدول المتقدمة بحيث بقيت قراءاتُنا رهن الأفراد وبالبعدين القيادي والنخبوي.
البديهي أن البحث في هذه المسألة سيُفضي لعديد القضايا كونه مرتبط وواقع الإنسان العربي، المُنغمس بِفعل مختلف الحِقب والمناخات في حالة الإنبهار بالآخر (المُستعمر) المُستهدف لجذور هويته وتنوع الحضارات والثقافات في منطقته ولمواردها المتنوعة بمحورها الإنسان. الواضح هنا أن هذا الآخر استطاع استثمار هذا الواقع (النتيجة) تنفيذاً لسياساته المُرتبطة ومصالحه بالمقام الأول. الأمر الذي لم يدفع قادة الفكر والسياسة للبحث في مكوّن الشخصية العربية والمقومات الممكنة لتعزيزها بخضم المعارك على المنطقة، فَتمكّنَ الآخر من تمرير مشاريعه تحديداً تلك التي اتخذت من الأصولية رداءً لها. على الجانب الآخر لم تُخصص الإمكانات أو الجهود للبحث في أدوات الصراعات القائمة بظل الحداثة والتطور الدراماتيكي لأوجهها ومجالاتها مما أبقانا السوق المُستَهلِك والمُستَهلَك.
وبالرغم من الانتقالات النوعية المُحققة بمختلف القطاعات التي تشهدها دولاً عربية، إلا أنها أتت في مجملها دون القدرة اللازمة لتجاوز مخططات الآخر كوننا لم نتصل بعد وإنساننا. الإعلام وماكيناته أحد أبرز وأهم الأمثلة التي بإمكاننا أن نشير لها، إذ أنه ومع التطور الواضح بمستوى الإعلام العربي وبشتى المستويات إلا أن المضمون ظلّ مأسوراً للآخر لا لما يحتاجه إنساننا. دليلُ ذلك هو الغياب التام لمتابعة صورة وخطاب وقضايا العربيّ أو حتى الفلسطيني في ماكينات الآخر الإعلامية، وإلا لاستوقفنا خلّو ماكيناتهم من استعراض ما يطرحه قادتنا وخبراؤنا وساستنا، وإهمال نخبهم ومتابعيهم لما يفكر به مثقفونا وخبراؤنا. المُستَغرب هنا هو فقداننا لإرادة البحث في طبيعة المصادر والمرجعيات التي منها نستقي معلوماتنا واستناداً لها نصنع كثيراً من قراراتنا، ومنحنا الثقة المطلقة لتلك المصادر بظل تقدم وتنوع الماكينات والوسائل في فضاء الإعلام الحديث ذات الدور المؤثِر في تشكيل المناخات المحلية بل والذاتية لدى البعض.
وتركيزاً لما تقدم؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر نتساءل: هل يتناول الغرب بقواه ومؤسساته الانتخابات الفلسطينية المرتقبة كما نتناول انتخابات الرئاسة التي تشهدها الولايات المتحدة أو الانتخابات الإسرائيلية! وإن جاءت الإجابة مُستنكرة لطرح التساؤل أساساً؛ هل بإمكاننا أن نفسرها استسلاماً للأدوار التي فُرِضت علينا واقعاً وبدوائرها بتنا نمضي! وتفادياً للجدل المؤكد في هكذا بُعد سننتقل بالتساؤل لنؤطره ذاتياً عبر الإشارة لظاهرة لم تستوقفنا أيضاً حيث يزخر ميداننا السياسي والفكري بالخبراء الفلسطينيّن في المجالات المختلفة (الخبير في الشأن الإسرائيلي، المختص في العلاقات الدولية، الخبير في الشؤون الأوروبية أو الأميريكية) التي تنحصر بمعظم الأحيان في الإطار النظري والمعرفي وتستند بسوادها الأعظم لما وصل إليهم سواءً عبر البحث أو المتابعة، ولم نمتلك المقدرة لربطها موضوعياً بحقيقة ما يجري في تلك الميادين وغيرها، أو احالتها قراراً ممكناً ضمن دوائرنا وبما يحاكي واقعنا ويخدم توجهاتنا.
وإن وجهنا التساؤل الضرورة نحو شأننا الداخلي بحيث نستعرض المختصين بالشأن الجماهيري بما يتصل به، بعيداً عن تلك المسائل ذات الأبعاد التقليدية أو حتى الأطر التمثيلية لفئات الشعب المختلفة، واستدراكاً لِربط المسألة بالمستوى الخدماتي ومجمل تلك القضايا المرتبطة باحتياجات الإنسان أو بالمكونات المجتمعية المختلفة بما فيها الأحزاب، حيث الفجوة بين كل ما يندرج تحت تلك الأطر الجامعة أو المختصة وبين الجماهير تزداد اتساعاً، بل نلمس عبر مواقفٍ عديدة الهوّة بين الفصائل نفسها وأعضائها وأنصارها والتي باتت تحدياتِ جدية أمام قادتها، ونتساءل: مَن اختص في أحوال الشعب وطبيعة توجهاته أو بحث بشكل الكيانية الوطنية التي يأمل وآليات النضال الممكنة بالنسبة له وسط الواقع المعقد الذي نعانيه؟ مَن اجتهد ليقرأ الجماهير ويناقش بماذا تفكر وماذا تريد؟ وأين هي المنابر المتاحة أو قنوات الاتصال التي حرصت منحها فرصة التعبير عما تعايشه وتتطلع له؟ وبظل ثقافة المحاصصة واللغة الفوقية المُتّبعة لدى الفصائل كافة (كونها حسمت موقف الشعب حسبما يشير الحراك مؤخراً) مَن الذي قدمَ الضمانات بألا تنتظر الجماهير فتح صندوق الاقتراع على أحرّ من الجمر ليصرخوا عبره بما لا يُحمد عقباه ! الجليّ هنا هو أن الرئيس (محمود عباس) استطاع أن يقرأ الشعب جيداً فصاغ لاءاته ونسج ثبات مواقفه متصلباً في وجه الولايات المتحدة والطائفين بفلكِها رغم استِحكام حلقات بطشهم وغلّهم حوله وشعبه، وهو مَن امتلك المقدرة على فهم الآخر مُنطلقاً من قراءته المعمقة احتياجاً وإيماناً للشعب الذي منه جاءَ ولكرامته ارتهن.