عالمة أردنية تجيب عن أسئلة بشأن اللقاحات
الشريط الإخباري :
قدمت العالمة الأردنية، الدكتوره لبنى تهتموني، معلومات مهمة، وإجابات علمية حول أسئلة عالقة بشأن لقاح فيروس كورونا، الذي أنتجته شركات عالمية في دول عدة أخيرا.
ونسفت تهتموني فكرة تصنيع الفيروس والمؤامرة الرائجة بين الناس على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنه وعلى مدار التاريخ كان هناك العديد من الأوبئة، وكان لكلّ منها تأثير على العالم، ومنها على سبيل المثال: الإنفلونزا الإسبانية (1918-1920) التي تسبّب بها فيروس من أكثر الفيروسات فتكًا في التاريخ، حيث قتل أكثر من 500 مليون شخص، وقد عرف العالم فوائد الحجر الصحّيّ والتباعد الاجتماعيّ كنتيجة لهذا الوباء، وهي الأساليب التي نستخدمها الآن خلال جائحة COVID-19.
وقالت خلال لقاء نظمته الكاتبة الأردنية، أمل الحارثي، إن العلماء استطاعوا تحديد كيفية حصول العدوى بفيروس COVID-19، وتحديد المدّة الزمنيّة التي يستغرقها الفيروس لإصابة المضيف وظهور الأعراض، حيث عُرف متوسّط الوقت الذي يستغرقه الشخص المصاب بفيروس COVID-19 لبدء ظهور الأعراض، كما عرفت طريقة التعرض بين مضيف وشخص آخر/ أشخاص آخرين وهي المعلومات التي باتت معروفة للجميع.
ولفهم طريقة عمل اللقاحات أوضحت تهتمون وبسرد مُبسّط للقارئ أنّ الأبحاث اعتمدت في البداية على فهم طريقة عمل الفيروس، وطرق العدوى وتأثيره على المريض، واتّضح أنّ الفيروس التاجيّ المسبّب للعدوى هو فيروس كروي مع نتوءات شوكية سكّرية (بروتينات شوكية) تبرز من السطح الخارجي، وأن هذا الفيروس حيواني المصدر، ويصيب الثديّات وبعض أنواع الطيور، وفي الواقع، كانت فيروسات كورونا معروفة لدى الباحثين منذ سنوات عديدة، وتسبّبت في إمراض البشر من قبل، ولكن لم يحدث أبدًا على هذا النطاق. كما أنّ هناك بعض الميّزات المثيرة للاهتمام حول هذه النسخة من الفيروس التاجيّ التي تجعله فريدًا.
وأشارت أستاذة علم الخلية في الجامعة الهاشمية إلى أنه أصبح الهدف الرئيسي لعمل اللقاحات تلك البروتينات السكّريّة الشوكيّة التي تساعد الفيروس التاجيّ (الكورونا) على مهاجمة الخلايا المضيفة، حيث يتمّ استقبال تلك البروتينات الشوكية بسهولة، عن طريق مستقبلات موجودة على سطح الخلايا، وهذا ما يجعل هذا الفيروس فريدًا ويفسّر سرعة العدوى وسهولتها ومعدّل انتشار المرض.
وعن سرعة اكتشاف اللقاح وصلاحيّته للاستخدام، قالت الدكتورة: عادة ما يستغرق تطوير هذه اللقاحات والأبحاث سنوات، ولكن بسبب الإلحاح وراء هذا البحث والحاجة إلى معرفة هذا الفيروس القاتل، تم ضخ مبالغ هائلة من المال والجهود (Operation Wrap Speed) منذ الأيام الأولى لاكتشاف المرض، وهذا يفسّر سرعة التجارب والأبحاث مقارنة مع أمراض أخرى لم تحظَ بنفس الاهتمام، إذ تمكّن أحدَ عشرَ لقاحًا من تجاوز مراحل التقييم السريرية الثلاث بنجاح، وكان من أبرز اللقاحات ما يعرف بلقاح Pfizer/BioNTech وModerna نسبة للشركات المنتجة.
وأوضحت العالمة، التي حازت جوائز في أبحاثها بأمراض السرطان، أنّ لقاح Pfizer-BioNTech -الذي أظهرت تجارب التقييم السريرية نجاعته بنسبة 95%- يعتمد على التعليمات الجينية للفيروس لبناء البروتين الشوكي السكري. ويستخدم اللقاح الحمض النووي الريبي المرسال mRNA وهو مادّة وراثية تقرؤها خلايانا لصنع البروتينات.
وقالت إن جزيء mRNA- هشّ ويمكن أن يتم تقطيعه إلى أجزاء بواسطة أنزيمات الخلية الطبيعية إذا تم حقنه مباشرة في الجسم، لذلك تقوم شركة Pfizer وBioNTech بتغليف mRNA في فقاعات زيتية مصنوعة من جزيئات الدهون النانوية لحمايته من التقطيع.
وعن الخوف من تغيير اللقاح لأيّ من التركيبة الجينية للخلايا، أكّدت أنّ الأمر غير ممكن إذ إنّه بعد الحقن لا يدخل الجزيء إلى نواة الخلية (حيث تتواجد جينات الخلية) بل تتم قراءته في السيتوبلازم المحيط بها ويتم تدميره بعد أن تُبنى البروتينات الشوكية دون أن تترك أي أثر دائم، يمكن بعد ذلك التعرف على هذه النتوءات البارزة وشظايا البروتين بواسطة جهاز المناعة، عندما تموت الخلية الملقّحة، ويحتوي الحطام على العديد من البروتينات الشوكية وشظايا البروتين، التي يمكن بعد ذلك أن يلتقطها نوعان من الخلايا المناعية: أحدهما يسمّى الخلية العارضة للمستضد ثم الخلايا التائية المساعدة التي تدقّ بدورها ناقوس الخطر وتساعد في حشد الخلايا المناعية الأخرى لمحاربة الأجسام الدخيلة.
وقالت العالمة التي تعمل بشكل مؤقت بجامعة كولورادو في أميركا، إن الخلايا المناعية الأخرى - التي تسمّى الخلايا البائية- قد تصطدم بأشواك الفيروس التاجيّ على سطح الخلايا الملقّحة، أو شظايا البروتين الشائك العائم في الدم وبمساعدة الخلايا التائيّة المساعدة ستبدأ في التكاثر وإخراج الأجسام المضادة التي تستهدف (البروتينات الشائكة).
وبينت أنه وعند تعرض الجسم لفيروس كورونا يمكن للأجسام المضادة أن تلتصق بأشواك الفيروس التاجيّ، وتضع علامة على الفيروس للتدمير، وتمنع العدوى عن طريق منع الأشواك من الالتصاق بالخلايا الأخرى. كما تقوم الخلايا العارضة للمستضد أيضًا بتنشيط نوع آخر من الخلايا المناعية تسمّى الخلية التائية القاتلة للبحث عن أي خلايا مصابة بفيروس كورونا التي تعرض شظايا البروتين الشائك على أسطحها وتدميرها، وهكذا يتم حماية الجسم من الفيروس في الأشهر التي تلي التطعيم، وتستمرّ هذه الحماية فترة شهور لكنها تنخفض بانخفاض عدد الأجسام المضادة والخلايا التائية القاتلة. ومع ذلك فإن ذاكرة الجهاز المناعي تستمر في توفير نوع من الحماية قد تستمر فترة سنوات عن طريق خلايا الذاكرة البائية وخلايا الذاكرة التائية التي قد تحتفظ بمعلومات حول فيروس كورونا لسنوات أو حتى لعقود، ولكن لأنّ اللقاح جديد جدًّا، لا يعرف الباحثون إلى متى قد يستمرّ بتوفير المناعة.
أمّا اللقاح الثاني فيُعرف باسم mRNA-1273، يتمّ تصنيع هذا اللقاح من قبل شركة موديرنا، ويعمل، وفق تهمتموني، بنفس طريقة اللقاح السابق. إذ أسفرت تجارب اللقاح عن استجابات الخلايا التائية ولم تحدث أيّة ردود سامّة خطيرة. وخلصت التجربة البحثية إلى أن هذا اللقاح مناعيّ، ما يؤدّي إلى استجابات قوية للأجسام المضادّة للفيروس.
وفي إجابتها عن تساؤلات كثير من غير المختصّين حول كيفية إنجاز لقاح لفيروس COVID-19 بوقت سريع جدًّا في الوقت الذي عجز فيه العلم عن إيجاد لقاح لفيروس نقص المناعة البشرية والسرطان، أجابت تهتموني:
هذا السؤال مثل مقارنة التفاح بالبرتقال!
وأضافت، إنه ولمجرّد أنّ العلماء لم يتمكّنوا من تطوير لقاح ضد فيروس نقص المناعة البشرية أو السرطان بعد عدّة عقود من الأبحاث، فهذا لا يعني أنّ الباحثين بحاجة إلى وقت طويل لتطوير لقاح COVID-19. كما أنّه لا يعني أنّ اللقاح الذي تم إنتاجه في وقت قياسي هو نوع من الاحتيال أو خطير.
وقالت إن لكلّ من هذه الأمراض تحدّياته الفريدة ولا يمكن مقارنتها ببعضها البعض. لتوضيح ما هو واضح، على عكس فيروس نقص المناعة البشرية وCOVID-19، فإنّ السرطان ليس مرضًا معديًا، وهناك العديد من أسباب الإصابة بالسرطان، بما في ذلك العوامل الوراثية والإشعاع والعوامل الكيميائية مع العلم أنّ العديد من الفيروسات -مثل فيروس الورم الحليمي البشري- يمكن أن تزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالسرطان. في الواقع، هناك عدة لقاحات معتمدة للسرطانات التي تسبّبها الفيروسات، وهناك لقاحات أخرى واعدة في التجارب السريرية، ومنها نوعان:
أوّلا- لقاحات وقائية: اثنان فقط من هذه اللقاحات قيد الاستخدام حاليًّا، ولا يمنع أي منهما السرطان بشكل مباشر. بدلًا من ذلك، تعمل اللقاحات عن طريق قتل الفيروسات التي قد تؤدّي إلى السرطان. لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، على سبيل المثال، يستهدف سلالات قوية من فيروس الورم الحليمي البشري التي تسبّب غالبية سرطانات عنق الرحم والحلق والشرج والعديد من السرطانات الأخرى. وتم تصميم لقاح التهاب الكبد B للمساعدة في منع بعض حالات سرطان الكبد.
ثانيًا- اللقاحات العلاجية: وهي مصممة لتحفيز جهاز المناعة على مهاجمة الخلايا السرطانية. يتم الآن استخدام لقاحين علاجيّين للسرطان: (Provenge®)، الذي قد يساعد في علاج سرطان البروستاتا المتقدّم، ولقاح Bacillus Calmette-Guérin (BCG)، الذي تم تطويره في الأصل لمرض السلّ، وتمّ اعتماده منذ ذلك الحين لعلاج سرطان المثانة.
من ناحية أخرى فإنّ أحد الأسباب التي تجعل العلماء يكافحون من أجل تطوير لقاح لفيروس نقص المناعة البشرية، هو أنّ الفيروس يتحوّر بسرعة داخل جسم المريض وعند انتقاله من شخص إلى آخر، ويمكن أن يتهرّب من العلاج عن طريق الاختباء في الخلايا. اللقاحات الناجحة لفيروسات أخرى، مثل الأنفلونزا، تعتمد على نسخ معطّلة أو ضعيفة من الفيروس لإنتاج اللقاح، لكنّ فيروس نقص المناعة البشرية الضعيف لم يكن فعّالًا في تحفيز الاستجابات المناعية، كما أنّ استخدام فيروس نقص المناعة البشرية الحيّ خطير للغاية ما يجعل استخدامه في إنتاج لقاح أمرًا ليس سهلًا.
أما عن الفارق بين اللقاح التقليديّ الذي يستوجب عمل نسخة مضعفة من الفيروس واللقاح الذي يعتمد على mRNA قالت تهتموني: إن النوع الثاني من السهل تصنيعه بمجرّد أن يعرف الباحثون تسلسل البروتين الفيروسي الذي يريدون استهدافه. أما اللقاحات التقليدية فإنها تستوجب الكثير من التطوير والكثير من التجهيزات والمعدّات لتصنيع البروتين، أو الفيروس الذي يستغرق نموّه وقتا طويلا .