داعش وحماس والسلطة ثالثتهما
الشريط الإخباري : عريب الرنتاوي- ذروة جديدة من التوتر في العلاقة بين حركة حماس وتنظيم داعش، شهدها قطاع غزة قبل أيام، عندما نفّذ التنظيم الإرهابي عمليتين إرهابيتين مزدوجتين، أوقعتا خسائر في الأرواح والممتلكات في القطاع المحاصر والمسيطر عليه من قبل حماس منذ العام 2007.
قبلها كانت الحرب الإعلامية بين الحركة والتنظيم تتصاعد على وقع «التقارب» المصري – الحمساوي، وفي ظل تواتر التقارير عن تعاون أمني بين القاهرة وغزة في محاربة التنظيم والجماعات المشابهة له في سيناء ... التنظيم ظل يتهم الحركة «بالردة» و»التعاون مع الطاغوت» و»التلهي بغزة وترك بقية فلسطين لليهود»، مع أن التنظيم الأشهر في عنفه وتشدده، لم يسجل طوال سنيّ صعوده وهبوطه تنفيذ عملية واحدة ضد أهداف إسرائيلية... حماس التزمت جانب الصمت، ولم تنخرط في حرب محرجة، ربما تستوجب قدراً أعلى من توضيح الخلفيات والمرجعيات الفكرية لكلا الفريقين، وهو أمرٌ حاذرت الجماعة الأم (الإخوان المسلمين) عن خوض غماره، حتى في ذروة «إدارة التوحش» التي مارسها التنظيم زمن «خلافته»... جُل ما صدر عن الحركة هو «التقليل من شأن التنظيم وحجم أتباعه»، ووصفهم بأتباع «الفكر المنحرف» جرياً على ما تقوم بعض الدول العربية.
هي علاقة «غامضة» بين تنظيمين إسلاميين، يتقاربان ويتباعدان في مرجعياتهما الدينية ... يتبادلان «الحب» و»الكراهية» ... أحد طرفي هذه العلاقة (داعش)، أشد شراسة وهجومية وصراحة في استهداف الطرف الآخر (حماس)... حتى أنه لم يتوان عن «تصفية» الذراع العسكرية لحماس في مخيم اليرموك «أكناف بيت المقدس»، بالرغم من قتالهما المشترك، وإن من خندقين منفصلين، ضد عدو واحد: النظام السوري والقوات الرديفة له.
لا يمكن اتهام حماس بالتواطؤ مع داعش، أو التماهي معه أو «التحالف» معه ... ذلكم اتهام سياسي تلجأ إليه حكومات وقوى سياسية على خصومة مع الحركة، من بينها إسرائيل لأغراض دعائية هدفها «شيطنة» كل ما هو فلسطيني ومحاولة إحداث التماثل بين «المقاومة الفلسطينية» و»الإرهاب الجهادي العالمي»، وأحياناً تتورط السلطة الفلسطينية في أمرٍ كهذا، للأسباب متصلة بمندرجات الانقسام الداخلي ... القاهرة قبل تكثيف مساعيها للوساطة بين الفلسطينيين كانت تذهب في الاتجاه ذاته.
لكن في المقابل، لا يمكن «اتهام» حماس بالعمل على محاربة «داعش» أو السعي الحثيث لمكافحة الإرهاب، هنا تواجه الحركة معضلة إيديولوجية من جهة، فضلاً عن القلق من مغبة الدخول في صراع «فقهي» و»اجتهادي» مع التنظيم من جهة ثانية ... وهذا حال كثيرٍ من الحركات الإسلامية على أية حال، فهي وأن كانت غير مصنفة «إرهابية»، إلا أنها عاجزة عن محاربة الإرهاب وغير راغبة في الدخول في هذا المعترك.
في السؤال عن سبب إحجام حماس عن شن حملة فكرية – سياسة – أمنية على الجماعات الجهادية في غزة، والتي تراوح ما بين داعش وجيش الإسلام- كتائب التوحيد والجهاد، جيش الأمة- أهل السُّنة والجماعة، كتائب سيوف الحق-جيش القاعدة، جند الله، الجبهة الإسلامية لتحرير فلسطين، أبناء أهل السنة والجماعة، «جلجلت»، تجادل الحركة في «العلن» بأن هذه الجماعات «معزولة» ولا نفوذ لها، في حين تخشى في «السر»، اندلاع صراع عنيف داخل بيت «الإسلام المسلح»، يعطي مبرراً للقول بسقوط التجربة وانهيار مرجعياتها «الدينية و»الأخلاقية» التي طالما أعطى هذه الجماعات مبرراً لادعاء «التفوق الأخلاقي».
الجانب الآخر – المؤسف حقاً – في تجربة غزة مع عمليات داعش، يتجلى في حرب الاتهامات المتبادلة بين حماس والسلطة ... الأولى، وضعت السلطة في صدارة «لائحة المستفيدين» من إرهاب داعش، وحملت جهاز مخابراتها المسؤولية عن «تكليف» داعش القيام بهذه الأعمال ... والسلطة حملت حماس المسؤولية عن وجود التنظيم وشقيقاته، طالما أن الحركة تروّج للخطاب ذاته والمرجعيات ذاتها ... خطر داعش لم يوحد الفلسطينيين هذه المرة، تماماً مثلما أخفقت صفقة القرن والاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل واستهداف ملف اللاجئين، في توحيد فريقي الانقسام الفلسطيني