عتاب ثائر على أمواج الحياة
الشريط الإخباري :
محمد الزعبي
ما زال طيف الحيرة يلاحقه أينما يمم الخاطر ، وفتش عن الرؤى ، ما برحت ظلال الحق والحقيقة تطارده وتسدد للجسد الجائع لكمات التيه ، البارحة ودع سقف الدجى وأغلق باب ليل طاف بين النجم ، وثقوب الضياء ، ثم استقل مدارج الحمرة في الفجر بعد أن هدأت جفون طاردت فلول النعاس ، وسكن هدوء نوم خلا من الأحلام .
نهض من الفراش مسرعاً وإنتصب أمام المرآة يغسل الكابوس وصور علقت في مخالب الخيال، فالتقى صدى هيئته مع انعكاس وجه دون أديم فيه محيا الإعياء ، كأنما سجن زجه خلف الأسوار .
كان البيت مقفراً يجوب في قفر الرمال ويرتشف صقيع الحجر ، بحث فيه عن لقمة يمتطيها وكأس شاي يروي التعب ويسقي شريان الحياة ، فما وجد سوى عجز أعياه في زقاق الجدب وجفاف التيار.
غادر الدار مهرولاً قاصداً الزاد والرمق ، جاب شوارع سكت نبضها واسترخت في مراتع السكون ، قلبَ البصر في مبان أحاطها الخواء وغرقت في الغياب ، حتى الضجيج نضب وخلت الأجواء من هديل الحمام ورائحة النسيم .
أخذ يجري في عباءات الصمت يسابق الشهيق والزفير ، يمشي فوق هواجس الهموم المبعثرة على أطراف التردد والغموض ، يبحث عن ذاته ويرتجي الغيث في أنفاس السراب ، فجأة، وتحت أنقاض الظنون وغمرة الجنون ، وجد نفسه يخلع أثواب الرجاء ويمزق صحيح السرور حين لامس الصواب وتجاوز ألوان المجاز .
جلس على مقعد ركنته غفلة المسير على حافة الطريق يعاتب زوايا النسيان ، رأى فيه حاله وضالته ، فراح يناجيه والشكوى تحاصر نحيب الدموع ، وعليه بث عتابه عليه ، سأله إن كان مثله يبحث عن القدر ، أو تعجب يوماً كيف ينسل القضاء من ثنايا الشهادة ويقفز من عوالم الغيب ، تسآل على إستحياء بنبرة قاحلة : لما الدهر يمضي على عجل ويمتطي صهوة العجل ، وكيف تهوم الأيام وتجري مع الريح ، استوضح عن النطفة وأمشاج نبتليه ، عن المعنى في أطلال البكاء، وعن ساعة القرار وردى الحطام في لجة المصير .
أدرك بعد عناء أن المقعد مثله أصم صريع الوهم ، يعاقر الوحدة ويحتسي شهوة الوحشة ، ودعه باسماً وقفل عائداً دون خطى أو سؤال ، أحتضن الغفوة ثانية وبه جذوة تكاد تحرق المحال وتلهب حنايا الضلوع .
أطلت من نافذة الحلم ثانيةً نسمات الصبح الأصيل ، وصدح نداء بعثر رماد الشك ، حطم قضبان الحجر التي أوصدت منافذ الروح ، فشرع يبحث عن ربيعه في يقظته وهجوعه ، أخذ ينصت بخشوع لبشائر الدنيا ويعناق الهواء ، يزجي للإله الحمد على آلائه والنعم ويقبل ثغر الحياة.