العلاقة بين الأمني والسياسي تتهيكل .. تنميط جريء للخصاونة ينهي «تطوع الوزراء»

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

 يطيب لرئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة بعدما استعاد قدرا من هيبة الالتزام بإقالة وزيرين بارزين في الحكومة على أساس انهما خالفا مضمون أوامر الدفاع، أن يطلب من أفراد طاقمه الوزاري طلبا بمنتهى الغرابة قياسا بالمألوف الأردني، عنوانه لفت النظر إلى أن الحكومة أيضا وليس المنظومة الأمنية في البلاد فقط «مأمورة» بالالتزام بمنطوق ومضمون الرسالة الملكية الشهيرة لمدير جهاز المخابرات الجنرال أحمد حسني.


تشوشت حلقة ما في الحكومة وطاقمها البرلماني بإدعاء انها طلبت تدخل المؤسسة الأمنية لضبط اجتماع للمتقاعدين العسكريين من النواب.

يتبين للاحقا بأن المعلومة غير دقيقة، فالتوجيهات الملكية بعنوان عودة الأمن إلى الاختصاص مسطرة تلزم الجميع وعلى الوزراء قبل غيرهم إعادة النظر في حالات التبرع والتطوع بطلب الاستشارة الأمنية لا بل التوقف وزاريا وحسب توجيهات رئيس الوزراء عن إقحام الواجبات الأمنية بالتفاصيل كما كان يحصل في الماضي.

تلك تماما خطوة غير مسبوقة في تراثيات الزحام بين الأمني والسياسي في الأردن حيث كانت في العادة المنظومة الأمنية تملأ الفراغ وتضطر باحتراف ومسؤولية للتدخل لأن صاحب الولاية في بقية المؤسسات الدستورية قرر عدم القيام بواجبه وعدم تحمل المسؤولية والأهم ثمة تكدس كبير للوزراء والأمناء العامين وكبار الموظفين البيروقراطيين الذين يحاولون رمي الحمل على الشبكة الأمنية.

عالجت رسالة الملك للجنرال حسني بوضوح هذا النمط من الاشتباك وبصورة لا تقبل بطبيعة الحال الاجتهاد خارج النص.

وخطط الرئيس الخصاونة لتنميط جريء يعالج الجزء المطلوب منه في المسألة لأن مستوى التطوع والتبرع بالتنسيق المبالغ فيه مع المنظومة الأمنية كبير جدا ويدخل في تفاصيل يمكن الاستغناء عنها وخير من يعرف ذلك وسط النخب الأردنية الرئيس الحالي.

قد لا يعجب بذلك وزراء أو بيروقراطيون مدنيون وأمنيون معتادون على كلاسيكيات الماضي، لكن الفصل بعنوان الهيكلة أصبح ضرورة الآن وما يريد الخصاونة إنتاجه بعد تمكين الحكومة من القيام بواجبها الدستوري هو تحقيق الفصل المطلوب، لأن في ذلك مكاسب كبيرة في الدولة أهمها التركيز على الاختصاص وتقليص الزحام في الميدان ونزع فتيل الاحتكاك بين الأجهزة والمؤسسات في حالة طوارئ على الأقل.

بالتأكيد المنظومة الأمنية هي المستفيد الأكبر من التوجيه الملكي لأن العودة إلى الاختصاص تساعدها على التركيز في مهامها وواجباتها الأهم بكثير من واجبات المستوى البيروقراطي التنفيذي الذي التهمت مفاصله طوال عقود ملامح الخمول والكسل حتى بات القصر الملكي وفي اجتماعات مغلقة يتحدث بوضوح عن أزمة بعنوان «لماذا لا يتخذ المسؤول القرار؟».

ذلك عبء كان يعيق الواجبات الأمنية البيروقراطية ويبدل في الأولويات وبصورة واضحة يؤدي إلى أخطاء كبيرة كان أبرزها أخطاء الانتخابات الأخيرة، والأهم انه عبء من الطراز الذي ساهم في الاستزلام والشللية وأزمة الأدوات، كما ساهم في تنميط تقنية تواصل وتنسيق تعلي من شأن الاعتباط والعشوائية على حساب قيمة المهنية والتأسيس الدستوري والسبب على الأرجح ليس المستوى الأمني بل تراكم المسؤولين المدنيين الذين يتطوعون بالتنسيق ويفضلون الاسترخاء بدلا من تحمل مسؤولية وظائفهم.

بالتالي التوجيهات التي صدرت من الخصاونة تؤسس لخطوة غير مسبوقة وتاريخية أيضا إذا ما نضجت وتواصلت، فالبلاد على أعتاب مرحلة استثمارية كبيرة وحجم الفظائع التي انتهت فيها الانتخابات الأخيرة سياسيا وإعلاميا لا يمكن إنكاره والتحول الديمقراطي والدستوري ينبغي أن لا يكون بعد الآن على شكل «فاصل إعلاني» فقط، الأمر الذي أجبر شخصيات متعددة لا تؤيد الحكومة بالعادة إلى التصفيق لرسالة الملك ثم التصفيق لقرار الخصاونة إقالة وزيرين بارزين حفاظا على لياقة الالتزام القانوني.

مشهد جديد في حالة الإدارة العليا يتمأسس ضمن المؤسسات الرسمية يحتاج ويستحق فرصة وتدعمه رؤيا ملكية عميقة وثاقبة تقتنص الراهن والمرحلة وتحاول العودة إلى اعتبارات الإنجاز حيث عنوان المرحلة اليوم الاختصاص الدستوري.

التشكيك بمثل هذه الخطوات هو الخيار الأسهل خصوصا عند المعارضين والمناكفين أو عند المتطوعين الكثر من الراغبين في بقاء العلاقة كما كانت حرصا على مصالحهم الشخصية في الواقع.

لكن الأصعب بالتأكيد هو البناء على مثل هذه التوجيهات الفعالة والمشاركة عشية مئوية الدولة في بناء تحول جذري وعميق.

قرعت الرؤية المرجعية الجرس وأطلق رئيس الوزراء توجيها يلتزم بالمحتوى، هل يلتزم الموظفون في أسفل الهرم بالتحول المطلوب؟

سؤال أي إجابة عليه سابقة لأوانها لكن ما يحصل في الأردن وتحديدا في مفصل آليات التفعيل الجديدة بين الأمني والسياسي مهم وكبير وجديد ويستحق الدعم بعدما استنفذت كل مسوغات وذرائع البقاء الوطني في حالة «ملء الفراغ» فقط.


عن / القدس العربي : بسام البدارين 

 

 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences