عمان – الرياض ومحاولة لـ«إعادة ترقيم» العلاقة: ما الذي يستطيع محمد بن سلمان تقديمه للأردن؟
الشريط الإخباري :
عمان – «القدس العربي»: بسام البدارين
السؤال السياسي «يتحور» أيضاً مثل الفيروس بسبب سلسلة من المستجدات التي لا يمكن إسقاطها من الحسابات العميقة عندما يتعلق الأمر باستقرار أو عدم استقرار العلاقة الأردنية السعودية.
ما الذي يمكن أن يقدمه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ببرنامجه السياسي الجديد إلى الجار الأردني، تحديداً بعد سلسلة طويلة من الاضطرابات في الاتصال والعلاقة؟ هنا تحديداً يمكن ملاحظة أن السؤال تغير، فقد كانت عمان طوال الوقت تسأل نفسها عن أقرب وأسرع الطرق، بل «إرضاء وجذب العهد الجديد» عند الجارة والشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية.
يمكن القول ببساطة بأن هذا التنميط في الأسئلة السياسية المطروحة يسبق لقاء القمة المتأخر تماماً بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهي القمة التي أعلنت عنها وكالة الأنباء الألمانية وليس القصر الملكي في البلدين كما جرت العادة. وليس صدفة في التحليل السياسي تحول اللقاء الثنائي إلى تشاوري ورباعي في الأثناء وبالتزامن، فرئيس الوزراء الماليزي أيضاً في الرياض ومعه ولي عهد البحرين في الأثناء.
هل يعني ذلك أن عودة الحرارة، ولو بالقطعة، لجسد العلاقة الأردنية السعودية الخامل قد يأخذ طابعاً إسلامياً أكثر هذه المرة؟ لا يمكن الإجابة مباشرة عن سؤال يحتاج إلى حيثيات وتفاصيل. لكن خلف ستارة الزاوية الأردنية في قراءة العلاقات الآن مع السعودية إشارات على مفاصل متنوعة أكثر أو مستجدة، فاللقاء الأردني السعودي نفسه يتجدد فجأة بعد طول انتظار أو غياب، وعاهل الأردن يتجه للشقيق السعودي بعد أيام قليلة من مغادرة السفير السعودي نايف السديري المفاجئة أيضاً إلى بلاده فيما اعتبر بـ «مهمة أو زيارة خاصة».
العلاقات الأردنية – السعودية
لكنها على الأرجح زيارة عمل تهدف إلى «إعادة ترقيم» قواعد العمل والاشتباك بين الجانبين، خصوصاً بعدما تردد بأن السفير السديري تمكن قبل عودته في زيارته للرياض من اللقاء والتشاور مع ملك الأردن، الأمر الذي يوحي- لو صح- بأنه سمع آراء وملاحظات من النوع الذي لا بد من إرساله لبلاده.
فهمت «القدس العربي» طوال الوقت من رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، بأن البقاء في علاقة طيبة في السعودية هو استراتيجية أردنية عميقة لا تقبل القسمة على تفسيرين، ولا مصلحة للأردن بالابتعاد كثيراً عن المظلة السعودية لا بالاتجاه الإيراني ولا حتى بالاتجاه التركي. ما تغير وسط نخبة عمان هو ببساطة أنها «فقدت الأمل» تماماً بالتضامن الاقتصادي والاستثماري وحتى السياسي السعودي، مع الوطني الأردني.
وما تغير أيضاً ويمكن ملاحظته أن الانطباع قوي جداً بأن وضع الأردن الإقليمي والدولي أفضل بكثير في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، مما كان عليه من إقصاء وتهميش وإبعاد في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، صديق النخبة السعودية الحاكمة الموثوق. هل يعني ذلك شيئاً محدداً في عالم الدبلوماسيات الثنائية؟
قد يكون الجواب «نعم» فرئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري يصر على مقاربة توافقية دوماً بين أركان النظام العربي، تقرأ المشهد بعمق وتتصرف على أساس التحديات والتطورات التي لا يمكن إغفالها وسط المحاور النشطة.
وقد يكون الجواب بـ»لا» أيضاً؛ لأن العلاقات البينية العربية بدأت تدار بالقطعة والتقسيط، حيث ساندت عمان اتجاهات المحور السعودي في الاجتماعات الأخيرة لمجلس الجامعة العربية عندما يتعلق الأمر بالمعادلة التركية تحديداً، فيما كان سفير أنقرة في العاصمة الأردنية يحتفل للتو بالمئوية الأردنية بطريقة لافتة للنظر تعيد نشر الصور منجزات العهد العثماني في المنطقة.
في كل حال، العلاقات الأردنية – السعودية ليست في سياق التخاصم والتنافس، لكنها ليست مستقرة ولا يمكن التعويض عن مشكلاتها العميقة بسلسلة مآدب الإفطار التي يقيمها السفير السديري بكثافة في قصره الجديد قرب العاصمة عمان وتشارك فيها وتحضرها شخصيات بارزة، كان لافتاً أن من بينها مؤخراً الأمير هاشم بن الحسين، كبير الأمناء في القصر الملكي «سابقاً».
ليس سراً
تتجه عمان نحو الرياض الآن في استجابة سياسية تكتيكية، أملاً في معالجة كل الملفات العالقة، وأهمها نتائج وتداعيات حرب اليمن، والوضع في ملف استعادة العراق للحضن العربي، ومشكلات السلام الإبراهيمي.
تتجه عمان نحو الرياض مثقلة بالهموم الاقتصادية والاستثمارية وبأزمة اللقاحات والفايروس والتداعيات، وتفعل ذلك وهي تستمع لصيغة أقرب لقصائد الشعر من السفير السديري عن التضامن الاستثماري والتنسيق المشترك، دون أن ينعكس ذلك على الواقع وفي الخريطة.
ليس سراً هنا أن عمان تصافح العهد السعودي الجديد مجدداً، وهي في وضع أمريكي أفضل. وتستطيع العبور نحو أصدقائها من الديمقراطيين الأمريكيين بالعديد من الرسائل والمصالح الحيوية ليس للسعودية فقط، ولكن للأمير بن سلمان نفسه، وإن كانت بلاده خارج ترتيبات مشروع التكامل الثلاثي مع مصر والعراق.
لدى الأردن اليوم قدرة أكبر من الأعوام الأربعة الماضية على فهم وملاعبة طاقم البيت الأبيض الجديد، ولدى الأردنيين خبرة عتيقة مع الديمقراطيين قد تكون مطلوبة للسعودي وقد تخدم مصالح الشقيقة الكبرى، وقد يؤدي التعاون هنا إلى إنتاجية فعالة في حالة واحدة فقط عنوانها الترقيم السياسي مجدداً وإزالة إشارات الاستفهام والتوقف سعودياً عن التعامل مع مصالح الأردن بغرور أو بنكران.
ليس سراً أيضاً، في سياق التحليل، بأن السعودية تتحدث مع حليفها البحريني، وتصالح القطري، وتوحي باحتضان الأردني مجدداً، وتستقطب الماليزي بعد تصدعات في جدار علاقاتها مع حليفيهما الإماراتي والمصري، وفي إطار السعي للتعامل مع الواقع الموضوعي لمرحلة ما بعد تقرير الاستخبارات الأمريكي بخصوص ملف الراحل خاشقجي.
بمعنى آخر سياسي بالتلازم، يتصور المراقبون بأن مؤسسة ولاية العهد السعودية عبرت للتو مع الأمريكيين من المرحلة الأصعب، ولديها قدرة على إنتاج التشنج والرد على سلوك بايدن بتجنب الصدام بتحية مماثلة قد تتضمن بعض تفصيلاتها عودة التحدث مع الأردن والاستثمار في إمكانات قيادته ومؤسساته. تلك براغماتية في إدارة العلاقة الثنائية أسس لها جيداً السفير السديري وتجاوبت معها عمان.
ولا يمكن توجيه اللوم لها، فميزان المصالح يتطلب اليوم تقارباً من طراز ما، وعمان والرياض كانتا طوال الوقت معاً ويمكنهما فتح صفحة جديدة الآن بعد جملة الالتزام الأردنية الصلبة في إطفاء أي تباين أو خلافات، وبالحرص على الوقوف خلف الشقيق السعودي ومعه، سواء في مواجهته مع الحوثيين أو في معادلتيه التركية والإيرانية. وعلى الأرجح تفتح صفحة جديدة، لكن السياق يبحث عن السؤال المركزي: ما الذي يستطيع تقديمه الآن للأردن ولي العهد السعودي، وليس العكس؟