فضائح خوان كارلوس وهروبه إلى أبو ظبي باتت مادة ترفيه للإسبان وقت كورونا
لندن- "القدس العربي”: نشر موقع "بوليتكو” تقريرا أعده الصحافي المؤلف ريتشارد شويد المقيم في برشلونة عن الملك الإسباني السابق خوان كارلوس والملايين المسروقة والملكية الإسبانية التي تعاني من أزمة.
وبدأ بالحديث عن ذروة حكم كارلوس في 23 شباط/ فبراير 1980 عندما اقتحم 200 من الحرس المدني البرلمان الذي كان يناقش انتخاب رئيس للوزراء، وبدأوا بإطلاق النار وطلبوا من المشرعين المغادرة، ولكن الصور التي التقطتها القناة التلفزيونية الرسمية لاقتحام البرلمان والنواب الذي ارتموا على الأرض لحماية أنفسهم أصبحت بمثابة لقطات على طريقة سقوط البرجين في 2001 أو اغتيال جي أف كيندي في 1965 حيث بثت طوال الوقت.
وكان المؤلف في حينها ببلدة نائية على البحر المتوسط فورمينتيرا يراجع رواية كان يعمل عليها. ويصف ما راوده من شعور حول عودة الديكتاتورية التي عاشت في ظلها إسبانيا لمدة 36 عاما وانتهت بوفاة فرانسيسكو فرانكو في 1975. وفشلت المحاولة الإنقلابية وسجن الإنقلابيون، حيث خرج بعد ساعات من اقتحام البرلمان صوت الملك كارلوس مطمئنا الإسبان أن الديمقراطية في خير.
وكانت تلك لحظة الذروة في حكم الملك الذي استمر 39 عاما وبعدها أخذ بالإنهيار. وأصبح الملك السابق عنصرا أساسيا فيما يمكن تشبيهه بمسلسل تلفزيوني حافل بالفضائح، ويعيش الملك السابق البالغ من العمر 83 عاما مرفها في المنفى بأبو ظبي، وخلف وراءه عائلته.
وفي الوقت نفسه اتهمته عشيقة سابقة له بإخفاء ملايين اليورو حصل عليها من مصادر غير شرعية ولم يدفع عنها ضرائب. وزرعت جرائمه الخطيرة الشكوك في قلوب الكثير من الإسبان الذين باتوا يتساءلون عن أهمية الحفاظ على الملكية في القرن الحادي والعشرين.
وبدأت مشاكل الملك السابق في 2012 عندما ذهب في رحلة صيد إلى بوتسوانا. ونشرت له صورة وهو يقف ببندقيته مفتخرا فوق جثة فيل ميت. وانتقد الملك بشدة في إسبانيا خاصة أنه كان في وقت الرحلة الرئيس الفخري لجمعية الحفاظ على الحياة البرية في إسبانيا. وفي الوقت الذي كان يقوم به بالصيد في جنوب أفريقيا، كانت إسبانيا تتعافى من الركود الإقتصادي العالمي وبنسبة 23% من العاطلين عن العمل في إسبانيا، ووصلت إلى 50% بين الشباب تحت سن الثلاثين.
وبدأ الناس يتساءلون بجدية عن الملكية، وبدأت الدعوات القوية من أول تحقيق بشأن مالية الملك وزادت الفضائح بشكل دفع كارلوس للتنحي عن العرش في عام 2014 وتولي ابنه فيليب السادس العرش بدلا منه. وفي 2018، تعرضت الأرستقراطية الألمانية المولد الدانماركية الجنسية كورنينا لارسين لمساءلة من السلطات السويسرية كي تشرح المبلغ الضخم المحفوظ في حسابات مصرفية باسمها. ويعتقد أنها كانت مرتبطة بالملك كارلوس عندما قدمها له دوق ويسمنتستر عام 2004.
وتحت المساءلة اعترفت أنها لعبت دورا في إخفاء جزء من "هدية” حوالي 100 مليون منحت له من الملك السعودي. وكانت عبارة عن امتنان من السعوديين للملك الذي ساهم في صفقة لبناء سكة حديد سريعة إلى مكة وجزءا من مشروع بـ 8 مليارات دولار.
وقالت لارسين التي لم تعد مرتبطة بالملك السابق إن المال هو عبارة رشوة، وأيا كان الحال فلم يقم الملك السابق بإخبار السلطات الإسبانية بها. وتم فتح التحقيق في "الهدية” السعودية لاحقا وتوسع ليضم مؤسسات مرتبطة بالملك السابق، اثنتان منها كانت عبارة عن كيانات وهمية ولا هدف لها سوى تمرير الأموال إليه. بالإضافة إلى هذا أعطى الملك السابق لأعضاء عائلته الممتدة باستثناء فيليب بطاقات ائتمان غامضة وتعود لثري مكسيكي استخدمت لإنفاق عشرات الألاف من اليورو.
وتبعت الفضائح فضائح أخرى، واستمرت التحقيقات بدون توجيه تهم، ولكن في القصر الملكي أعلن في آب/ أغسطس أن الملك السابق كارلوس غادر إسبانيا للعيش في مكان آخر. وظهر لاحقا في قصر راق لصديق له في أبو ظبي حيث يعيش.
ويتمتع بحصانة دستورية من المحاكمة وفي أي شيء فعله كملك، لكن أي جريمة ارتكبها منذ تنحيه في 2014 تعرضه للمساءلة. ومنذ مغادرته إسبانيا إلى أبو ظبي لم يظهر أو يصدر تصريحات.
وفي الشهر الماضي دفع لوزارة المالية الإسبانية 4 ملايين يورو (4.8 مليون دولار) كضرائب مستحقة وعلى أمل استبعاد توجيه تهم بجرائم مالية ضده. والملك فيليب السادس والملكة ليتزيا ووالدته، صوفيا الملكة السابقة هم الثلاثة الذين لا شيء لديهم ليقولوه عن سقوط الملك السابق.
ويحاول الملك فيليب إظهار حس من الإستقامة في حكمه. وفي ربيع 2020 أعلن أنه تخلى عن حقوقه كمستفيد من حسابات والده المثيرة للشبهة. وخلافا لهذا لم يقل الملك الحالي ووالدته أي شيء حول تجاوزات كارلوس. والملكة السابقة، صوفيا هي أميرة يونانية تزوجت من كارلوس في 1962 وأنجبت منه 3 أولاد فيليب وابنتين هما كريستينا وإيلينا. ومارست صوفيا عملها ونشاطها نيابة عن عدد من الجمعيات الخيرية في إسبانيا والعالم رغم سقوط زوجها.
وعلى أية حال كان كارلوس ملكا بالصدفة، وعليه شكر فرانكو، ففي نيسان/ إبريل 1931 أطيح بالملك ألفونسو الثالث عشر وأعلن عن إنشاء الجمهورية الثانية، التي كانت أول حكومة ديمقراطية منتخبة في تاريخ إسبانيا. وأعلن الجمهورية نهاية الملكية وأصبحت واحدة من أكثر الدول التقدمية في أوروبا القرن العشرين.
لكن فرانكو قاد بعد خمسة أعوام وفي عام 1936 قاد ثورة ضد الجمهورية، وبعد 3 أعوام ومليون قتيل استطاع الإطاحة بالحكومة وبدعم من موسوليني في إيطاليا وهتلر في ألمانيا. ولم يكن فرانكو ميالا للمشاركة في السلطة، وحكم البلاد بطريقة ديكتاتورية لمدة 36 عاما. ولكنه كان محافظا كاثوليكيا ويؤمن برؤية تعود إلى أيام الملكية وقوة إسبانيا الدولية.
ولهذا قام في 1969 بتسمية خوان كارولوس، حفيد ألفونسو الثالث عشر خليفة له. وكان لدى كارلوس نسب لا تشوبه شائبة، فهو من عائلة بوربون، الأرستقراطية الأوروبية التي حكمت إسبانيا وبشكل متقطع منذ 1700، ولكنه لم يكن أبدا أميرا رزينا ولم يرب على أصول الملك، بل كان يحب اليخوت ومشاركا متحمسا في سباقات القوارب الشراعية. وترك نفسه أسيرا لنزاوته، وانتشرت عنه القصص في مدريد أنه كان يحب ركوب دراجته النارية ويتسلل في الليل بدون حرس إلى الشوارع.
وقيل إن سكان مدريد شاهدوا الملك السابق بخوذته ينتظر أمام إشارات المرور. ولكن قصص الدراجة النارية أصبحت وراءه حيث بدأ يعاني من مشاكل صحية. فقد أجريت له عملية قلب مفتوح في 2019، وعدد من الجراحات لاستبدال مفاصل في الورك نتيجة للإصابة التي تعرض لها في رحلته العاثرة إلى بوتسوانا. وأصبح يعتمد على العصا في مشيته وأحيانا بحاجة لمن يستند عليه. وظل بإمكانه الإستمتاع باليخوت وليس المشاركة في المسابقات.
وينص الدستور على عدم تدخل الملك في السياسة لكن أفعال العائلة تترك تداعيات على الحياة السياسية، فقد رد الإنفصاليون والأحزاب المعادية للملكية في كاتالونيا والباسك وغاليسيا بغضب على خروج الملك السابق إلى أبو ظبي. وقالت كارولينا تيليشيا المتحدثة باسم الجمهوريين اليساريين الكاتالونيين "أحسن خدمة تقدمها للشعب الإسباني هو عدم الهرب من العدالة وتظهر وجهك بكرامة”.
وانضم حزب "بودميوس” (نستطيع) إلى شجب رحيل الملك السابق. وكتب زعيم الحزب بابلو إغلاسياس "هروب خوان كارلوس البوربوني إلى بلد أجنبي موقف غير مشرف لزعيم بلد ويترك الملكية في وضع غير جيد” و”احتراما لمواطني إسبانيا الديمقراطية كان على خوان كارلوس الأول مواجهة تبعة أفعاله أمام شعبه”.
وكانت الحكومة الإشتراكية متحفظة في دفاعها عن الملكية مؤكدة في الوقت نفسه للشعب الإسباني على محاكمة أي شخص بمن فيهم الملك السابق بناء على القانون. وفي الكونغرس انضم الحزب الإشتراكي إلى الحزب اليميني المتطرف فوكس والحزب الشعبي المحافظ لمنع المشرعين من تشكيل لجنة تقوم بالتحقيق في مالية الملك السابق، بحجة أن هذا من شأن النظام القانوني وليس المشرعين.
والسؤال: ألا يزال الإسبان يعتبرون الملكية مثالا عن التراث الإسباني القديم النبيل أم أنها أثر من الماضي عندما حكم الملوك والكنيسة الأمة ولقرون مخلفين الشعب جاهلا ومضطهدا؟ والجواب يعتمد على من تسأل فاليمين يبجل الملكية أما اليسار فيكرهها ويريد محوها وحرمانها من 8 ملايين يورو ( 9.5 مليون دولار) مخصصة لها في السنة من الميزانية. وهو مبلغ يساوي عشر ما تنفقه العائلة المالكة في بريطانيا لكن الإسبان يرونه مبلغا كبيرا.
وحظي كارلوس طوال حكمه باحترام من الإسبان وتم التسامح مع تجاوزاته. ويتذكر الكثيرون شجاعته أمام الإنقلابيين في 1981، مع أن هذا عرضة للتشكيك، ويرى بعض المؤرخين أن كل العملية مرتبة بين الملك والجيش والساسة لإثارة خوف الرأي العام ودفعه للقبول ببرلمانية ملكية.
ولأن إسبانيا ليست لديها قوانين فاعلة تسمح بالكشف عن الوثائق السرية، فمعظم الملفات المتعلقة بانقلاب 1981 الفاشل غير متاحة للمؤرخين والصحافيين. وعلى أية حال فلن يغفر للملك هذه المرة، فأن تكون لك عشيقة سرية من الدانمارك أو أن تتسلل من القصر للتمتع بركوب الدراجة أمر وأن تخفي ملايين من الدولارات عن الشعب أمر آخر.
ويفهم خوان كارلوس خطورة الوضع، فهو لم يحضر للمشاركة في احتفالات أعياد الميلاد الأخيرة ولم يعلن عن خطط للعودة. ولم تتوقف التغطيات الصحافية السيئة للعائلة المالكة، ففي شباط/ فبراير عندما أعلن عن دفع الملك السابق 4 ملايين يورو كشف عن أن ابنتيه سافرتا لزيارته في أبو ظبي وحصلتا على تطعيم ضد كوفيد-19. ولم يكن هذا جيدا في إسبانيا التي مات فيها أكثر من 72.000 بسبب كوفيد-19 وعدم توفر اللقاحات التي ينتظرها الملايين.
وفي الوقت الذي يقبع فيه الإسبان في بيوتهم هربا من الإصابة بالفيروس تقدم لهم العائلة المالكة سلسلة درامية تلهيهم عن مشاكلهم ومخاوفهم.