سؤال «المليون» في الأردن: من هي «الجهات الخارجية» المتورطة بالمؤامرة؟

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

عمان – «القدس العربي» : المسألة، حسب النص الرسمي للرواية الأردنية الأولى، تتعلق بنقطة تلاقٍ بين ما سمّاه الوزير أيمن الصفدي بـ»طموحات وأوهام الأمير ومقربين منه» وبين اتصالات مشبوهة مع جهات خارجية لم يتم تحديدها بعد لشخصية إشكالية من وزن الدكتور باسم عوض الله.
قد لا يقف الأمر عند حصول هذا التلاقي، فثمة علاقة ورابط بين «مجموعة عوض الله» و»مجموعة الأمير» تُرك معلقاً في إطار حسابات سياسية معقدة وعميقة، والأهم في إطار حسابات استكمال ونضوج التحقيقات، فالسيناريو الأردني الرسمي على الأقل لم يستعجل الإجابة ولا التشبيك، وتقصّد أن يقال على لسان وزير الخارجية تحديداً.
وهو في النتيجة سيناريو ينطوي على رسالة ثقة بالمؤسسات، ولا يريد الغرق في التكهنات والتأويلات، ويسعى للوقوف على الحقائق والوقائع، فالعلاقة أوضح اليوم بين ما سماه الصفدي بأوهام وطموحات الأمير حمزة بن الحسين ومجموعته، وبين مخطط فعلي تواصل فيه عوض الله وصديقه الشريف حسن بن زيد مع جهات خارجية غامضة، والهدف زعزعة الأمن والاستقرار في الأردن.
لكن.. كيف ومتى وعلى أي أساس ولصالح من؟

المسكوت عنه في مسألة «تلاقي النوايا بالأوهام» في البلاد

ذلك هو سؤال «المليون»، على حد تعبير الكاتب والبرلماني جميل النمري. والإجابة عملياً تُركت لإنضاج التحقيقات، وتقصد الصفدي أن لا تلامس شغف الشارع ولا الرغبة في تحديد هوية الجهات المعادية، كما تقصدت الدولة الأردنية من اختيار الصفدي أصلاً للحديث تسليط الضوء على جزئية وجود أشخاص متآمرين ويتواصلون مع ما يسمى بالمعارضة الخارجية، التي نشطت كما لم يحصل من قبل مؤخراً بالتزامن مع وجود جهات وأجهزة خارجية تعبث في الأردن.
واضح بناء على هذه المعطيات، أن المسألة لا تتعلق بانقلاب كما سارع الإعلام الأمريكي في وصفه، لا بل بعملية أمنية استهدفت مجموعات لديها طموح بزعزعة الأمن والاستقرار في المملكة، مما يجعل حتى اللحظة على الأقل وقبل استكمال التحقيق والاتجاه للمحكمة العملية باسم أمن الدولة، مجموعة الأمير متهمة بالإساءة للدولة والتورط في تسريب معلومات لمعارضين خارجيين، فيما يبدو أن الجزء المتعلق بعوض الله وبن زيد له علاقة بأجندات لدول خارجية.
ما هي تلك الدول؟.. لا يريد الأردن الرسمي الاستعجال في بناء استنتاجات هنا، فالعملية في جانبها الأمني المهني نجحت بامتياز وفي لحظة مواتية، والوزير الصفدي قال بأن الفتنة «تم وأدها» بعدما تجاوزت النوايا في اتـجاه التنـفيذ.
لكن العملية في سهمها السياسي لها تداعيات، وينتج عنها استحقاقات، وقد تؤثر حكماً في بنية طبيعة العلاقات والتحالفات الأردنية الإقليمية والدولية، الأمر الذي يجعل عدم استعجال توجيه اتهامات لأي جهة خارجية محددة سلوك راشد حتى اللحظة على الأقل، لأن الكلفة سياسية، بما في ذلك تحقيق مصالح للدولة الأردنية وضمان عدم تكرار محاولات التدخل لاحقاً ستعقب على الأرجح عملية «التنظيف» الداخلية والتي قامت بها بصورة احترازية واستباقية ملموسة الأجهزة العسكرية والأمنية.
واضح أن النص الأول في السيناريو الرسمي تجنب الحديث عن علاقة عضوية بين تحركات مجموعات الأمير وعوض الله، فالمسألة بخصوص الأمير مقتصرة حتى اللحظة على أوهام وطموحات، أما التحركات الفعلية فلها علاقة بمقربين منه تواصلوا مع معارضين خارجيين وباتصالات لها علاقة بالشريف بن زيد والدكتور عوض الله، والأخير شخصية إشكالية جداً كانت في مستويات النفوذ المتقدمة.
يتوقع ومن باب الاستنتاج والتحليل السياسي، أن الكشف عن بعض خلفيات اعتقالات السبت الأردنية المثيرة قد يطيح لاحقاً ببعض تفصيلات العلاقات الأردنية الخليجية تحديداً، أو على الأقل قد يعيد إنتاجها، فيما يبدو أن الموقف الرسمي الأمريكي والدولي والأوروبي صلب جداً في دعم الأردن وقيادته.
العملية الأمنية المهمة ستكون لها تداعيات سياسية بالتأكيد حتى في الداخل، فالقرار بوضوح اتخذ لكشف كل شبكة تسريب المعطيات والمعلومات للمعارضين في الخارج والذين نشطوا فجأة ورفعوا سقف التحرش بالدولة الأردنية مباشرة بعد اندلاع الأزمة الكبيرة في العلاقات مع اليمين الإسرائيلي، ابتداء من منع طائرة نتنياهو من العبور، وانتهاء بمنع ولي العهد الحسين بن عبد الله من زيارة المسجد الأقصى.
على المحك ليست اشتباكات داخلية، فهي بسيطة وتحت السيطرة في الحالة الأردنية، ولكن ملفات ثقيلة الوزن في تنميط التحالف السياسي والإقليمي وإعادة موازنة المشهد لصالح تصور جديد، أما ملف الأمير حمزة فيمكن معالجته بكل حال، وقد عولج الآن في إطار تقاليد العائلة المالكة المعروفة والتي بقيت دوماً من أسس الاستقرار ويألفها الأردنيون، ما لم تكشف التحقيقات القضائية لاحقاً عن مزيد من المفاجآت.
على المحك أسئلة عالقة لها علاقة ليس فقط برمزية وجود شخصية مثل عوض الله قريبة جداً من دوائر النفوذ السعودية والإماراتية في عمق تحقيق عميق بعنوان مؤامرة لزعزعة الأمن والاستقرار وأسئلة موازية لها علاقة هذه المرة بمجمل كيفية إدارة الأدوات والرموز وأصحاب المناصب السابقة في الحكومة والسلطة الأردنية.
بكل حال، رواية الصفدي الأولى لا تضع كل الأحرف على كل النقاط. تركت ثغرات، وشغف المعلومات سيتواصل.
لكن الشارع الأردني يصفق لما حصل ويدعم المؤسسات، والإجابة على كل التساؤلات العالقة لها علاقة أكثر اليوم بحسم بعض الإشكالات وبميزان مصالح عميقة معقدة للغاية، فأزمة اعتقالات السبت بالتأكيد أعقبت مرحلة السلام الإبراهيمي، ومايكرفون المعارضة الخارجية اشتغلت أوصاله بكثافة في «الحقبة الإبراهيمية» إياها.
بسام البدارين 

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences