فلسطينيو الداخل: 55% منهم امتنعوا عن التصويت والقضية الفلسطينية غابت عن نقاشاتهم

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

الناصرة- "القدس العربي”: ضمن قراءة نتائج الانتخابات الإسرائيلية العامة الرابعة والعشرين من ناحية السلوك الانتخابي العربي فيها يشير مركز "مدى الكرمل” للعلوم الاجتماعية التطبيقية إلى أنها تحمل دلالات كثيرة عن العمل السياسيّ الفلسطينيّ في إسرائيل، وتجب دراستها بعمق.

وحسب معد الورقة مدير مركز "مدى الكرمل” دكتور مهند مصطفى فإن أهمّ هذه الدلالات اختزالُ العمل الوطنيّ والسياسيّ للعمل البرلماني واعتباره رافعة سياسيّة مركزيّة في المجتمع الفلسطينيّ، ولا سيّما في برلمان تهيمن عليه قوى يمين صهيونيّ.

وضمن تبرير هذا الاستنتاج يقول مصطفى إنّه منذ تأسيس القائمة المشتركة عام 2015 وتَضافُر تأسيسها مع ظروف فلسطينيّة وإقليميّة وإسرائيليّة، وُضِعت القائمة المشتركة كمركز في العمل السياسيّ، رغم أنّها لم تكن مشروعًا وطنيًّا، ولم تضع برنامجًا سياسيًّا جماعيًّا، ولم تطوّر الخطاب والعمل السياسيَّيْن في صفوف الفلسطينيّين في إسرائيل، كما تَصَوَّرَها قبل ذلك أحدُ مركِّباتها، منبها أن كلّ هذا يحتاج إلى إعادة الاعتبار للعمل الحزبيّ الذي تقلّص إلى عمل حزبيّ برلمانيّ، وكأنّ القوائم العربيّة جزء من النظام السياسيّ للأغلبيّة اليهودية المسيطرة، حيث أنّ العمل الحزبيّ للمجموعات القوميّة الأقلّيّة في وطنها يجب أن يتعدّى العمل البرلمانيّ وألّا يقتصر عليه. مرجحا أن تكون هذه الانتخابات آخر انتخابات لجسم اسمه "القائمة المشتركة” كما عَهِدتها السياسة البرلمانيّة العربيّة منذ عام 2015، وقد تعطي هذه الانتخابات مركّبات المشتركة المركزيّة -التجمّع والجبهة- الجرأةَ على إعادة التفكير مجدَّدًا في مستقبلهما السياسيّ.

قراءة "مدى الكرمل” في انتخابات الكنيست الـ24

وبرأي مهند مصطفى فإن إعادة التفكير المركزيّة يجب أن تكون في بناء برنامج سياسيّ جماعيّ يؤكّد أنّ مسألة الفلسطينيّين في إسرائيل هي جزء من القضيّة الفلسطينيّة، وأنّ خياراتها السياسيّة ليست بالتعاون مع اليسار الصهيونيّ، ولا بالتعويل على اليمين الصهيونيّ، بل بإدراك بنْية وجوهر الدولة المعادية للمشروع الفلسطينيّ في الداخل والخارج، وهناك يدخل الخطأ الإستراتيجيّ بالتوصية السابقة على رئيس حزب "أزرق- أبيض” بيني غانتس قبل عام.

ويضيف "الزعم أنّ غياب الوعي الوطنيّ للناس هو نتاج الواقع والظروف زعمٌ غير دقيق، بل هو بفعل قرار عقلانيّ بتغييب هذه المسائل. بناء مشروع سياسيّ جماعيّ يجب أن يأخذ هذه المركّبات بحذافيرها وعدم التنازل عنها، وذلك أنّ تغييبها بصورة عقلانيّة يُعَقْلِن الواقع الرديء ويرتدّ على أصحابه (الأحزاب) ولا ينقذهم”.

في قسمها الأوّل تتعرض هذه الورقة إلى عرض نتائج الانتخابات من خلال المعطيات الرسمية، والتي تعكس أنماط التصويت والامتناع عنه في المجتمع الفلسطينيّ (18%) فيما يتطرّق القسم الثاني منها إلى عرض تحليليّ لهذه النتائج والذي يسوغ الاستخلاص المذكور.

نتائج الانتخابات في المجتمع الفلسطينيّ

وطبقا لـ”مدى الكرمل” واستنادا لمعطيات لجنة الانتخابات الإسرائيلية المركزية لم تتعدَّ نسبة التصويت في المجتمع الفلسطينيّ في هذه الانتخابات (آذار 2021) الـ45% وهي النسبة الأقلّ منذ بداية مشاركة الفلسطينيّين في إسرائيل في الانتخابات البرلمانيّة منذ العام 1948 (انتخابات الكنيست الأولى عام 1949).

مقارنة مع نتائج الانتخابات في الدورة السابقة (آذار 2020) التي بلغت فيها نسبة مشاركة العرب الفلسطينيّين 65%، يلاحظ أنّ هناك تراجعًا جِدّيًّا في نسبة التصويت وارتفاعًا في نسبة الممتنعين عن التصويت وهم يشكّلون الأغلبية.

العزوف عن التصويت

وحسب "مدى الكرمل”، يشكِّل العزوف عن التصويت المعطى الأهمَّ في السلوك الانتخابيّ لدى الفلسطينيّين منذ تشكيل القائمة المشتركة في العام 2015؛ وبحسب نتائج الانتخابات الأربع الأخيرة التي جرت خلال السنتين الماضيتين تراجعت نسبة التصويت إلى أقلّ من 50% ومن ثَمّ قفزت إلى 60% وأكثر لتتراجع إلى 45% في الانتخابات الأخيرة. وبرأي "مدى الكرمل” فإن هذه التغيُّرات الحادّة في أنماط التصويت تحمل الكثير من الدلالات بشأن العلاقة بين الجمهور الفلسطينيّ والعمل البرلمانيّ عمومًا، وبينه وبين الأحزاب العربيّة على وجه الخصوص.

ارتفاع قوة الأحزاب الصهيونية

وحصلت القائمة المشترَكة في الدورة الانتخابيّة الأخيرة (آذار 2021) على 212,048 صوتًا، أي ما يعادل 4.8% من مُجْمَل الأصوات العامّة في إسرائيل، بينما حصلت القائمة العربيّة الموحَّدة على 167,132 صوتًا، أي ما يعادل 3.7% من مُجْمَل الأصوات العامّة. على سبيل المقارنة، حصلت القائمة المشتركة في انتخابات الكنيست الـ23 (آذار 2020) على 581,507 أصوات تعادل 12.6% من مجمل الأصوات العامّة. على الرغم من التراجع الذي حصل في نسبة التصويت في المجتمع الفلسطينيّ، فإنّ غالبيّة المصوّتين العرب انتخبوا القائمتين العربيّتين، إذ بلغت نسبتهم نحو 80% من الأصوات العربيّة، بينما ذهبت باقي الأصوات للأحزاب الصهيونيّة. في انتخابات عام 2020، صوّت 87% من المصوّتين العرب للقائمة المشتركة، بينما صوّت الباقون (13%) للأحزاب الصهيونيّة.

الليكود أكثر من ميرتس

وحصلت الأحزاب الصهيونيّة في هذه الانتخابات على ما يقارب 20% من الأصوات العربيّة، أي نحو 80 ألف صوت. من هذه الثمانين ألفًا من الأصوات، حصل الليكود على 26%، وحزب ميرتس على 19%، وحزب يسرائيل بيتينو برئاسة أفيغدور ليبرمان على 17%، وحزب يش عتيد برئاسة يئير لبيد على 11% من هذه الأصوات. ويتنبه "مدى الكرمل” في هذا المضمار إلى أن معظم الأصوات في التجمّعات العربيّة الدرزيّة (10% من فلسطينيي الداخل) ذهبت أغلب الأصوات للأحزاب الصهيونيّة: صوّت نحو 33 ألفًا منهم للأحزاب الصهيونيّة (82% من الأصوات في هذه التجمّعات)، بينما صوّت نحو 6,600 للقائمتين العربيّتين. ويتابع "بالتأكيد أنّ نسبة التصويت في التجمّعات العربيّة الدرزيّة بلغت 46%، وهي نسبة شبيهة بنسبة التصويت العامّة في المجتمع العربيّ عمومًا”.

ثلاثة أنواع من الامتناع عن التصويت

تشير نتائج الانتخابات التي عرضتها الورقة إلى الأمور التالية: أوّلًا: نسبة التصويت في المجتمع العربيّ للكنيست الرابع والعشرين هي مؤشّر على سلوك احتجاجيّ وعقابيّ في الدرجة الأولى للقائمة المشتركة، وفي الـمُجْمَل لا يحمل موقفًا سياسيًّا سلبيًّا من العمل البرلمانيّ.

ويقول الباحث في الشؤون الاجتماعية – السياسية مهند مصطفى إنّ الارتفاع والهبوط في معدَّلات التصويت على نحو ملحوظ من دورة إلى أخرى، بهذه السرعة والنِّسب العالية لهذه الجهة أو تلك، لا يمكن الاستدلال منه أنّه نزع الشرعيّة عن العمل البرلمانيّ في السياسة العربيّة المحلّيّة.

ويتابع "كنّا قد أشرنا في ورقة تقدير موقف سابقة (نيسان 2019) إلى ثلاثة أنماط من الامتناع عن التصويت: الأيديولوجي: وهو الذي ينزع الشرعيّة عن العمل البرلمانيّ؛ السياسيّ: وهو السلوك الاحتجاجيّ على إدارة سياسة العمل البرلمانيّ؛ العُزوفي: وهو اللامبالاة من مُجْمَل العمل السياسيّ. يحمل سلوك المقاطعة أو الامتناع عن التصويت النمطَ الثاني بالأساس، وهذا ما يفسّر ارتفاع وتراجع نسب التصويت على نحوٍ دراماتيكيّ في خلال عامين، حيث كانت نسب التصويت في أيلول عام 2019 وآذار عام 2021 هي الأقلّ (49% وَ45% على التوالي) بسبب انشقاق المشتركة وغياب خطاب سياسيّ جِدّيّ في هاتين الدورتين، فيما كانت مرتفعة في أيلول عام 2019 وآذار عام 2020 (60% وَ65% على التوالي) لأنّ القوائم العربيّة انضوت تحت مظلّة القائمة المشتركة مع توجُّه وخطاب سياسي واضحين.

فشل "أبو يائير”

ثانيًا: عطفًا على ما سبق يرى مصطفى أن الامتناع عن التصويت (السياسيّ – الاحتجاجيّ) هو النمط الأبرز والأهمّ في هذه الانتخابات، من بين سائر أنماط التصويت (على سبيل المثال: نِسَب التصويت للقوائم العربيّة والأحزاب الصهيونيّة). تميّزت الحملة الانتخابيّة الأخيرة عن سابقاتها بكثافة الدعايات الانتخابيّة للأحزاب الصهيونيّة التي استهدفت المجتمع والناخب العربيَّيْن.

وقد وقف على رأس هذه الأحزاب حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، وبلغ به الأمر أن يتبنّى ويردد الكنية "أبو يئير” في هذه الحملة (الكنْية التي أطلقها عليه بعض العرب). بيد أنّ هذه الكثافة لم تمنحهم سوى ما يقارب 20% من مُجْمَل الأصوات العربيّة، جاءت معظمها من التجمّعات العربية الدرزيّة.

ويستذكر هنا أن نسبة التصويت للأحزاب الصهيونيّة في آذار عام 2020 لم تتعدَّ الـ13%، وقد حدث الارتفاع الطفيف في نسبة المصوّتين في هذه الدورة بسبب تراجع نسبة التصويت العامّة في المجتمع العربيّ، لا بسبب ارتفاع عدد المصوّتين المطْلَق للأحزاب الصهيونيّة مع الأخذ بالاعتبار أن نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية في البلدات الدرزية عالية وثابتة حتى هذه المرة ورغم قانون القومية الذي اعتبر إسرائيل دولة اليهود وليس الأغيار حتى لو خدموا في جيشها.

ويقول مصطفى إن الأحزاب الصهيونيّة بذلت جهودًا كبيرة في الدعاية الانتخابيّة باللغة العربيّة وتنافست في ما بينها على إدراج شخصيّات عربيّة، ولا سيّما نسائيّة. فعلى سبيل المثال، أدرج حزب ميرتس مرشّحَيْن في المكانَيْن الرابع والخامس (غيداء ريناوي- زغبي من الناصرة وعيساوي فريج من كفر كقاسم) والليكود لأوّل مرّة يُدْرِج مرشَّحًا عربيًّا مسلمًا في قائمته (نائل زعبي من قرية نين) كما أدرج حزب العمل مرشَّحة في المكان السابع (النائب ابتسام مرعي من الفريديس) إلّا أنّ ذلك لم يسعفهم ولم يلحظ تحوُّل كبير في معدّلات التصويت للأحزاب الصهيونيّة؛ وهذا يؤكّد أنّ سلوك الامتناع عن التصويت هو السلوك الأبرز في هذه الانتخابات.

التصويت مقابل الامتناع

ثالثًا: حصلت القائمتان العربيّتان في دورة الانتخابات الحاليّة على ما يقارب الـ380 ألف صوت، أي أقلّ بنحو 200 ألف صوت عن انتخابات آذار عام 2020، عندما كانتا ضمن قائمة وحدوية: القائمة المشتركة. أما عدد الأصوات الحاليّ والانقسام إلى قائمتين، علاوة على عدم تغيُّر عدد الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب الصهيونيّة في الدورتين الأخيرتين، فيدلّ على أنّ الخَيارَيْن الأساسيَّيْن لدى الجمهور الفلسطينيّ كانا إمّا التصويت للقائمتين العربيّتين، وإمّا الامتناع عن التصويت.

ويرجح مهند مصطفى أنّ تراجع التصويت للقوائم العربيّة كان بسبب انشقاقهما أوّلًا. واستنادا للمعطيات التفصيلية يرى مصطفى أنّ هناك علاقة طرديّة بين نسبة التصويت للقوائم العربيّة وانشقاقها وتحالفها؛ فعند انشقاقها تنخفض نسبة التصويت، وعند تحالفها ترتفع هذه النسبة. وثانيًا بسبب غياب برنامج سياسيّ واضح للقائمتين، ولا سيّما القائمة المشتركة التي غلب على خطابها طابع المناكفات والانجرار وراء مقولات وشعارات  اجتماعية محافظة للقائمة العربيّة الموحَّدة ونقاشها، في حين كان خطاب القائمة العربيّة الموحَّدة واضحًا بشعارها "مؤثّر، واقعيّ ومحافظ” وإن كان مفْرَغًا سياسيًّا.

واستطاعت القائمة العربيّة الموحَّدة أن تجرّ القائمة المشتركة إلى نقاش حول القضايا الاجتماعيّة مع تغييب تامّ للنقاش حول القضايا السياسيّة والوطنيّة التي تعيد الاعتبار لمسألة الحقوق الجماعيّة، والمكانة القوميّة والمدنيّة للفلسطينيّين في إسرائيل، والعلاقة مع الشعب الفلسطينيّ ومشروعه الوطنيّ.

شعار إسقاط نتنياهو

رابعًا: تتمّة لِما سبق، حملت القائمة المشتركة في انتخابات آذار عام 2020، وقبلها في انتخابات أيلول عام 2019، شعارًا واضحًا هو إسقاط نتنياهو. وعلى الرغم من النقد الشديد على هذا الخطاب وخطورته الذي أشار إليه مصطفى في ورقة تقدير موقف سابقة (أيلول 2019)، فإنّه كان واضح المعالم من حيث مفردات الخطاب، ومن حيث توجّهاته والأمل الذي أعطاه للناس بإمكانيّة إسقاط نتنياهو وتقوية تأثير القائمة المشتركة في الكنيست.

وعن ذلك يقول "في انتخابات 2020 كان اقتناع الناس بهذا الخطاب كبيرًا جدًّا، وممّا زاد من الحافز للتصويت للقائمة المشتركة، والتفاف الناس حول هذا الشعار، الخطابُ التحريضيّ الذي مارسته أغلب الأحزاب الصهيونيّة وقادتها -ولا سيّما حزب الليكود ونتنياهو- ضدّ الجماهير العربيّة والقائمة المشتركة، في محاولة لنزع شرعيّة الصوت العربيّ.

ويعتقد مهند مصطفى أنه في هذه الانتخابات اليوم غاب هذا الحافز للتصويت بسبب تضافر عوامل ثلاثة: غياب التحريض الذي مارسه نتنياهو على الجماهير العربيّة والقائمة المشتركة، بل إنّ الأحزاب الصهيونية لم تصوّت -أو تغيّبت عن التصويت- في لجنة الانتخابات المركزيّة على طلبات شطب أيّ من القائمتين العربيّتين أو شطب أيّ من مرشّحيها كما حدث في الدورات الانتخابيّة السابقة، بل اختارت شطب المرشّحة العربيّة في قائمة حزب العمل تحديدًا. ثانيا فشل التوصية على غانتس في ترجمة شعار إسقاط نتنياهو في انتخابات آذار عام 2020، ممّا فرّغ هذا الشعار والخطاب من مضامينه العمليّة والسياسيّة، إذ أكّد النظام السياسيّ الإسرائيليّ أنّه لن يقبل تشكيل حكومة تستند إلى القوائم العربيّة، وهو ما نزع الثقة عن هذا الخطاب في الانتخابات الأخيرة. ثالثا العطب في العمل البرلمانيّ العربيّ، والعمل الجماعيّ قبل تفكُّك المشتركة، والسجال العنيف بعد التفكُّك، فضلًا عن شيوع الانطباع أنّ العمل البرلمانيّ عاجز على الرغم من وعود التأثير في الحملة الانتخابيّة السابقة (آذار 2020) عن تقديم أيّ إسهام في محاربة الجريمة في المجتمع العربيّ، ممّا دفع الناس إلى التحرّك من خلال حراكات شعبيّة وشبابيّة نازعة الثقة عن العمل البرلمانيّ، وحتّى عن العمل السياسيّ التقليديّ.

ويضيف مهند مصطفى اعتبارا إضافيا بالقول "لا بدّ من إضافة تداعيات جائحة كورونا على العرب تحديدًا، وما حملته هذه التداعيات من إحباط في المجتمع العربيّ أدّى إلى العزوف عن المشاركة السياسيّة البرلمانيّة”.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences