الخصاونة وبرلمان الأردن: كيف ستنجز عملية «ضبط الإعدادات»؟

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
الحذر الشديد والدقة واضحان تماماً في رواية الحكومة عن المؤامرة التي تم كشف النقاب عنها مؤخراً، وفقاً لحسابات البيانات الرسمية.
واضح تماماً أن السلطات الأردنية اتخذت قراراً بالإفصاح التدريجي عن بعض معطيات ومعلومات تلك المؤامرة بعد صدور مواقف تشكيكية غير مؤكدة، سواء على المنصات أو عبر وسائل الإعلام في الخارج تحديداً.
ابتداءً من المقال الذي نشره الكاتب المقرب من السلطات فهد الخيطان، حول الفتنة ورموزها، مروراً ببعض التسريبات التي تصدر هنا وهناك، وانتهاء بالمعطيات التي قدمها للبرلمان ظهر الاثنين رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، يمكن القول بأن النسيج الرسمي للقصة كما حصلت بالنسبة للمؤسسات بدأ يتشكل ويتكون، وإن كان سياسياً وإعلامياً وشعبوياً يبقى ممثلاً لرواية الحكومة. وقدم الخصاونة صباح وظهر الاثنين لمجلسي الأعيان والنواب في اجتماعات مغلقة ما يمكن اعتباره بمثابة «إفادة أولى» اطلعت «القدس العربي» على أهم ملامحها. والهدف وضع مجلس الأمة وممثلي الشعب في الصورة، تجاوباً مع مضمون تقرير سابق لـ«القدس العربي».
المطلوب من الأعيان والنواب الآن تهدئة المجتمع ومناصرة السيناريو الرسمي، والتحرك في اتجاه واجبات الحفاظ على البيئة الداخلية. وتلك مهمة لا أحد يعلم ما إذا كان نواب وأعيان الأمة قادرين فعلاً على مساعدة الحكومة فيها. لكن على الأقل ثمة الآن إفادة حكومية على الطريقة الأمريكية بعد 10 أيام من الإثارة والقلق والهواجس، وضعت أعصاب الشارع الأردني على الوتر المشدود.
طبعاً تلك الإحاطة أو الإفادة منقوصة، ولن تكون شاملة ولا تشفي غليل الشارع في البحث هوسياً عن معلومات، لكنها كذلك لأسباب دستورية وقانونية، ولأخرى لها علاقة بنضج واستكمال التحقيقات تجنباً لمزالق الإثارة والتشويق، وسعياً للاستجابة والتفاعل مع الخط الملكي المرجعي الذي تقرر في إدارة الأزمة برمتها.
ليس سراً هنا أن ملامح الخط الملكي واضحة للجميع وعلى أساس أن الجزء المتعلق بطموحات أو أوهام أو حتى تحركات الأمير حمزة بن الحسين، دخل في إطار المعالجة ضمن العائلة المالكة. وهي خطوة تعني الكثير لاحقاً تحت عنوان إعادة إنتاج آليات التواصل العائلي وفقاً لما يقرره الدستور خلافاً لأنها خطوة مريحة جداً للمجتمع الأردني.

مصالح الدولة والمجتمع

وعلى أساس أن سلطات القضاء، بعد اكتمال التحقيق، ستعالج بدورها رموز وحيثيات المخطط المشار إليه، فيما عبارة الملك في رسالته المهمة واضحة عندما يتعلق الأمر بكيفية تعامل الدولة بعد اكتمال التحقيقات وعلى أساس إجراءات ستتخذ في هذا الشأن أو غيره وفقاً لمعيار محدد ودقيق، وهو مصالح الدولة والمجتمع. ومفردة مصالح هنا لها غرض ووظيفة عميقة، ويعتقد بأن عبرها يمكن تفريغ الجزء المتعلق بجهات خارجية أو حتى دول صديقة أو غير صديقة تورطت أطراف فيها بتلك المؤامرة.
من هنا حاول رئيس الوزراء الدكتور الخصاونة، استناداً إلى ملامح السيناريو الملكي الواضحة، التجول بين ألغام الاعتقالات الأمنية المثيرة وهو يقدم تلك الإحاطة لرموز سلطة التشريع بالحد الأدنى من المعلومات التي يمكن الإفراج عنها الآن. وبالحد الأعلى من الحرص على الإفصاح والشفافية تجنباً لتشنجات يمكن أن تنتج عن طموحات نواب منتخبين في ركوب الموجة واعتلاء منصات الميكروفون بصيغة تشتت بنية القصة ونسيجها.
وهو ما حصل فعلاً حسب تقارير وتسريبات محلية، فأحد النواب من أعضاء لجنة الحريات طالب الحكومة برؤية الدكتور عوض الله خلف القضبان حتى يتأكد من أنه لم يغادر البلاد. وقطب برلماني آخر حاول الاستثمار في اللحظة وهو يذكر الحكومة بما قاله قبل ربع قرن حول «كوهين الأردني» فيما النائب صالح العرموطي يعلن عبارة مثيرة قوامها «الخصاونة لم يقدم لنا أدلة».
لا ترغب الحكومة باعتلاء النواب والأعيان لمنصات التحدث في ملف حساس، وبالتأكيد لا ترغب بذلك بنية الدولة العميقة؛ فتلك خطوة قد تكون الأسوأ وسط هوس الناس بالبحث عن معلومات أو وسط انقسام عامودي في المجتمع ومعقد من الصعب إنكاره، على حد تعبير المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة الذي يحاول لفت نظر الجميع إلى أهمية توحيد الرواية وضبط الإعدادات إذا ما تقرر الخروج من الأزمة.
وضبط الإعدادات الآن مهمة صعبة لا بل معقدة، وإن كانت إفادة الخصاونة للنواب والأعيان تمركزت في اتجاهات مدروسة توحي أولاً – وهذا الأهم – بأن التحقيق سيكتمل وأن قضية المؤامرة في طريقها إلى النيابة. وبالتالي، إلى محكمة علنية بالنتيجة، فيما عزل ملف الأمير تحت ستار الشأن العائلي، ولا تزال التحقيقات مفتوحة على مزيد من المعطيات.

أوهام وطموحات

الخصاونة، في إحاطته، حاول الإجابة على السؤال الأكثر تسبباً للإثارة والجدل في الأردن، لكن بجملة منضبطة، وهو ذلك المتعلق بماهية العلاقة بينما سمّته الحكومة سابقاً بأوهام وطموحات الأمير وتحركات كل من عوض الله والشريف حسن بن زيد، مع جهات خارجية.
وهنا برزت إفادة الخصاونة على أساس دور تحريضي مارسه عوض الله مع الأمير، وكان هدفه شقيقه الملك شخصياً، وانطوى على مخالفة واضحة للدستور بعد علاقة استمرت لمدة عام، ولم يكشف النقاب عن طبيعتها وحيثياتها. يتضح الترسيم هنا، وحسب رواية الخصاونة التي قيلت على الأقل للنواب والأعيان، انقلب عوض الله على دولته لسبب غامض وقام بتحركات وزيارات هدفت إلى تحريض الأمير، بمعنى ملامسة ما سمّاه الوزير أيمن الصفدي سابقاً بالطموحات الوهمية خارج الدستور.
تلك حبكة أكثر تقدماً في توضيح الزاوية الحرجة في رواية الحكومة مما سبق، ومن الطبيعي ألا تكون مكتملة في هذه المرحلة على الأقل، أو لا تشفي رغبة الشارع الجامحة للفصل التام بين الأمير ومجموعة عوض الله، أو بين الأمير واعتقال بعض مرافقيه والمقربين منه. بات الأردنيون، مساء الاثنين، على رواية فيها بعض المعلومات الجديدة. لكن القصة لم تنته بعد، وإذا ما وصل ملف المؤامرة إلى الادعاء والمحكمة في أمن الدولة فقد تصبح المسائل أكثر وضوحاً.
بسام البدارين
القدس العربي
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences