النجمة فيولا ديفيز : نستحضر مآسي الأفارقة الأمريكيين وتطلعاتهم
الشريط الإخباري :
لوس أنجليس – «القدس العربي»: صنع فيلم «قاع ماريني الأسود» تاريخاً الأسبوع الماضي عندما فاز بطلاه الراحل تشادويك بوزمان وفيولا ديفيز بجائزتي «نقابة ممثلي الشاشة» لأفضل ممثل وأفضل ممثلة على التوالي، وهذه هي أول مرة تذهب الجائزتان لممثلين أسودين.
تشادويك، الذي نال شهرته بفضل أدائه دور البطولة في فيلم مارفيل «الفهد الأسود» والذي توفي الصيف الماضي، بسبب مرض السرطان، حصد كل الجوائز الآنفة كـ«الغولدن غلوب» وجوائز جمعيات النقاد، ويتوقع أن يفوز في الأوسكار هذا العام، أما ديفيز فقد رُشحت لكل تلك الجوائز وفازت بجائزتين، من ضمنها جائزة نقابة ممثلي الشاشة، التي تفوز بها للمرة السادسة، لتصبح أكثر الممثلات فوزاً بها. وفضلاً عن كونها أكثر الممثلات الإفريقيات الأصل ترشحاً للأوسكار، حيث نالت أربعة ترشيحات، وفازت مرة واحدة، فإنها أيضاً أول ممثلة سوداء تفوز بجائزة «الإيمي» للتلفزيون، كما تعتبر السوداء الوحيدة التي جمعت بين جوائز «توني» للمسرح و«الإيمي» و«الأوسكار».
في «قاع ماريني الأسود» تقدم ديفيز تقمصاً مذهلاً لشخصية ماريني، إحدى أوائل مطربات البلوز وأهمهم في عشرينيات القرن الماضي، التي سحرت بغنائها آنذاك السود والبيض على حد سواء، وكانت تلقب بأم موسيقى البلوز.
وفي حديث مع ديفيز عبر خدمة زووم، قالت لي إنها سلمت نفسها لكل ما تعرفه عن ماريني. «لأنه في التمثيل، عليك أن تكرم الإنسان الذي تجسده. لا يمكنك تحويله إلى النسخة التي تريحك عن شخص ما. فأردت بالتحديد أن يبدو جسدها بطريقة معينة. كنت أعلم أن وزنها يتجاوز الـ 250 رطلاً وكانت أسنانها ذهبية، ودائماً ما كانت تبدو وكأنها تتصبب عرقاً، ومكياجها عندما أدت عروض الخيمة بدا وكأنه طلاء دهني يذوب من وجهها وباروكاتها المصنوعة من شعر الحصان. بعد ذلك اعتمدت فقط على ما كتبه أوغست ويلسون».
أوغست ويلسون، الحائز على جائزة «بوليتزر» هو كاتب مسرحية «قاع ماريني الأسود» المقتبس عنها الفيلم، وهي واحدة من عشر مسرحيات، معروفة بدورة بتسبرغ، تسرد مآسي الأمريكيين الأفارقة وتطلعاتهم خلال كل عقد في القرن العشرين.
قصة الإنتماء
وقد نالت ديفيز جائزتي «توني» للمسرح عن أدائها دورَي البطولة في مسرحيتين هما: «الملك هيدلي الثاني» و»حواجز» التي أدت دور البطولة في نسختها السينمائية الى جانب دينزل واشنطن، الذي أيضا قام بالإخراج، ونالت الأوسكار عن أداء نفس الدور وهو دور روز.
«أتماهى مع أوغست لأنه يكتب عنا» تعلق ديفيز. «إنه ينتمي للأفارقة الأمريكيين، ويكتب بالطريقة التي نتكلم فيها أنا وعماتي وزوجي وأمي. كل ما عليك فعله هو أن تستسلم لكلماته».
ولد ويلسون لأب ألماني وأم أفريقية عام 1945 في حارة فقيرة يقطنها أفارقة وسوريون وفلسطينيون في مدينة بتسبرغ.
ورغم كون والده أبيض البشرة إلا أنه تعرض للعنصرية منذ صغره. فانضم في الستينات الى منظمة أمة الإسلام، التي كانت ترتكز على تفوق العرق الأسود على العرق الأبيض، وكان متأثراً بتعليمات الزعيم المسلم مالكوم اكس.
وفي عام 1969 اعتنق الإسلام لكي يتزوج من مسلمة وهي بريندا برتون، وأنجبا معاً ابنة واحدة وهي سكينة أنصار. ومع أنه ترك أمة الإسلام بعد طلاقه من برتون عام 1927، إلا أن صدى أفكارها تردد في رواياته، حيث تتصدى شخصيات السود للبيض بشجاعة وترفض الانصياع لهم، تماماً كشخصية ماريني.
«السبب في أن أوغست ويلسون كتب دورة مسرحيات العصر تلك هو كي نتمكن من رؤية كيف أن الثقافة الخارجية كانت تتحكم بالعلاقات والناس فيها» تقول ديفيز «وهذه روعة أوغست ويلسون؛ إنه يعرّف الجمهور بمن نكون وما نحن عليه حقاً، وليس ما يريدوننا أن نكون. لقد كانت ماريني ذلك الشخص الذي يمكنه أن يخبرك قد تظنّ أن هذا ما بإمكانك تجاوزه معي، لكنّك لن تتغلب علي فيه. هذا هو عام 1927 وهو مطلع القرن العشرين، حيث وصلت عمليات الإعدام خارج إطار القانون وقوانين جيم كرو العنصرية إلى ذروتها. لم يكن لدى السود قوانين حقوق التأليف والنشر. وبالتالي كان ذلك امتداداً لما كان يحدث عام 1927». فعلاً فرغم حرمان السود من حقوقهم المدنية ومن العدالة أمام القانون، وتنكل الشرطة والمليشيات العنصرية لهم، إلا أن ما ريني تتسم بجسارة وثقة نفس فائقة. ففي طريقها إلى استوديو باراماونت في شيكاغو لتسجيل ألبومها، تصطدم عربتها بعربة سائق أبيض، فيطالب الشرطة بمعاقبتها، لكنها تتصدى له وتحمله مسؤولية الحادث. فيحضر مدير الأستوديو الأبيض ويتوسل للشرطة أن تتركها وشأنها. ومع ذلك تتجاهل مدير الأستوديو وتعامله باستهتار وكبرياء وتتآمر عليه، مدركة أنه بحاجة لغنائها الذي يدر له الأرباح الهائلة.
«أعتقد أن الأمور كانت كذلك، لكنني لا أظن أن تلك القصص تُروى في هوليوود» توضح ديفيز. «كان هناك مفهوم بأن السود آنذاك حينَ لم يكن لديهم أيَّة حقوق كانت رؤوسهم منحنية دوماً، وكانوا دائماً متملقين وهذا ليس صحيحاً. كان هناك العديد من الحوادث، حيث لجأوا إلى السباب ودافعوا عن أنفسهم، أعتقد أننا ننظر دائماً إلى الشخصيات الملونة من خلال مصفاة البِيض، لكن عندما ترى الأشخاص السود في السياق من خلال كاتب أفريقي أمريكي فإنك ترانا على حقيقتنا».
ماريني تتصرف بفظاظة تجاه البيض والسود، فهي ترفض التسجيل حتى يحضروا لها مشروب كوكا كولا مثلجا، وتفرض على فرقتها الموسيقية أن يسجل ابن أختها الثقيل اللسان افتتاحية الأغنية. «مع أعضاء الفرقة كنت أرغب في إظهار جانبها القيادي ولكن من جهة أخرى أردت أن أظهر جانبها الأمومي مع ابن أختها وجانبها الحنون مع حبيبتها. أشعر وكأن هذا يلخص حقاً العلاقة التي تربطها بهم والاحترام الأساسي بالطبع» توضح ديفيز.
لكن ماريني تواجه متمرداً في فرقتها وهو العازف الشاب الطموح، ليفي (تشادويك بوزمان) الذي يصف أنغامها بالنشاز ويخطط ليحل مكانها ليقدم أنغاماً حديثة تتلاءم مع الزمن. كما يغري حبيبتها الشابة.
«ماريني تكره ليفي» تضحك ديفيز. «عندما تتعرف عليها ربما تكون قد اقتربت من نهاية حياتها المهنية. الأمر كما تقول كاري فيشر: ما الشهرة إلاّ الغموض قبل أن يحضر وهي كانت على مشارف ذلك الغموض. وهنا لديك ليفي، الذي يمثل كل ذلك ويحاول أن يسرق حبيبتي لذلك أراه كتهديد مطلق».
ضحايا للعنصرية
وذلك ما يميز شخصيات ويلسون، فهي ليست مجرد ضحايا للعنصرية في أمريكا، وخصومها ليسوا من البيض وحسب، فويلسون يغوص في مجتمعهم الأسود ويسبر علاقاتهم مع ذويهم. ماريني شخصية مركبة تعيش صراعات نفسية واجتماعية كامرأة وسوداء ومثلية. فهي تصر على استقلاليتها في العمل لتفادي تحكم الرجال بها، وتتحدى المجتمع والقانون بارتباطها رومانسياً وجنسياً مع نساء أخريات، وتخشى المطربين الشباب الذين يحاولون استبدالها بسبب جيلها المتقدم ولا تثق بمدراء الاستوديوهات الذين يحاولون استغلالها. «فعلاً فهو يسبر إنسانيتنا ووجعنا وضعفنا وحسنا الفكاهي ودعاباتنا جميعها» تقول ديفيز. «نحن لسنا مجرد نماذج بدائيّة أو أجهزة لإحداث تغيير في شخصية بيضاء، لدينا استقلالية كاملة في العوالم العشرة، التي كتب عنها وهذا ما يجعله عظيماً بل يمكنك أيضًا الجلوس بيننا». كما يتطرق أوغست إلى علاقة شخصياته مع ربهم؛ ففي أحد المشاهد يثور تشادويك غضباً على الرب بعد أن يسرد قصة والده الذي تم شنقه على يد ميليشيات البيض العنصرية أمام أعينه، بينما كان طفلاً. وعندما حاول عبثاً أن يتصدى لهم، طعنوه بالسكين وما زال أثر ذلك الطعن يذكره بتلك الحادثة المفجعة التي تحرمه من النوم». «في الكثير من أفلام السود كانت لدينا مشاهد صادمة، حتى بعد اغتصاب أطفالنا وقتلهم وتشويههم ترانا لا نزال نحمد الرب، لكنني أعلم أنه في الحياة على أرض الواقع عندما يحدث أي شيء كارثي أول من تغضب منه هو الله، لأنه سمح بذلك» تقول ديفيز. ويلسون أوصى بمنع الطقوس الدينية في جنازته، كما رفض طرح رواياته سينمائياً على يد مخرجين أو منتجين بيض، إلى أن تعهد النجم الهوليوودي دينزل واشنطن بإنتاجها كلها، مستهلاً بـ «حواجز» الذي نال أربعة ترشيحات أوسكار وفاز بواحدة عام 2017. أما «قاع ماريني الأسود» فقد نال خمسة ترشيحات أوسكار ويتصدر حالياً تكهنات الفوز بجائزتي أفضل ممثل، وأفضل ممثلة لبوزمان وديفيز.