الإصلاح والفرص الضائعة ... تحذيرات فيصل الفايز ، هل من يسمع؟؟
الشريط الإخباري :
زهير العزه
دون أدنى شك وخلال العشرية الأخيرة بما حملت ، أهدرت حكومات سابقة الوقت وأضاعت الفرصة في إحداث إصلاح حقيقي وفق آلية متدرجة ، وهو ما انعكس وينعكس سلباً على حياة الناس ، وفرض ويفرض على الوطن أزمات خانقة نعاني منها الآن بطريقة متوحشة ، وقد نعاني منها لسنوات طوال إذا لم يتم استدراك الأمر والمباشرة بإصلاح حقيقي .
لقد عملت حكومات على جعل البلد يحترق بسياسات مالية واقتصادية قائمة على التحصيل من جيب المواطن ، وهي العقلية التي ما زالت تقود الشأن المالي للبلاد وتتحكم بالبلاد والعباد ، في الوقت الذي كانت وما تزال جوقة الطبول من الكتاب والمحلّلين ، التي تغنت وتتغنى على وقع عزف نشيد أن البلاد بخير، وترقص على وجع الناس من خلال التطبيل والتزمير للحكومة هذه او تلك وتعمل على الترويج لفوائد الخصخصة والحصحصة على طاولة الانفتاح والليبرالية المالية والسياسية ، ودون أن يكون هناك حماية للناس ، بل أنه من الملفت ان حكومة الدكتور عمر الرزاز قد عملت على ضرب موظفي القطاع العام ، حينما تم إخراجهم من الوظيفة وهم في عز العطاء ما أدى إلى ترتيب التزامات مالية تنوء بحملها ميزانيات تقاعدهم ، وهذا ايضاً انعكس على حالة الغضب المتأججة من سياسة حكومية إضافة للسياسات الخرقاء الأُخرى .
أمس شاهدت مقابلتي رئيس مجلس الأعيان السيد فيصل الفايز مع القناة الروسية والثانية مع قناة فرنسا 24 ، وفي المقابلتين كان يجهد السيد الفايز في محاولة منه للإجابة على الأسئلة التي كان بعضها قنابل موقوتة إعلامياً وسياسياً من حيث عدم إختصاص السيد الفايز في تناولها ، لأن الإجابات عليها تكمن عند الحكومة وليس عند سلطة مجلس الاعيان ، ألا أنه وعلى ما يبدو أن وسائل الإعلام هذه لم تجد من يتحدث بإسم الحكومة ويطرح وجهة نظرها ويدافع عن روايتها ، وبالتالي لجأت إلى جهة أخرى تطرح عليها الاسئلة ، وهذا ما استدعى الانتباه حول غياب أو اختفاء وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي بإسم الحكومة صخر دودين عن مسرح الحدث للتعليق على ما تطلبه وسائل الاعلام من تعليقات حول أية قضية ومنها موضوع قضية الفتنة المطروح على بساط بحث كل وسائل الإعلام المحلية والعالمية كما هو ظاهر ..! كما يعيدنا ذلك إلى السؤال حول المسؤولية في اختيار الوزراء وتعيينهم في الحكومات .!
والواقع أن السيد الفايز طرح موضوعات غاية في الأهمية في حديثه الصحفي ، وعلى المهتمين بالإصلاح والتغيير التنبّه لها ، أولها ان من يريد الإصلاح وتطوير عمل المنظومة التي تدير البلاد فعلاً لا قولاً ، عليه أن لا يخسر الإنجازات السابقة التي تحققت ، ويذهب باتجاه طروحات تدخل البلاد في المجهول كما يطالب الدكتور لبيب قمحاوي ، أما الموضوع الآخر مما طرحه السيد الفايز فهو أن من يريد معرفة الحقيقة في موضوع الفتنة عليه انتظار التحقيقات والمحاكمة لنعرف ما جرى ، إذ ليس من المنطقي أن نحكم على أن الرواية الحكومية مشوهة أو ملفقة أوغير ذلك من إشاعات يتم تداولها بإعتبارها حقائق مطلقة قبل أن تظهر نتائج التحقيقات ، بالرغم أنني أجد عذراً للبعض وذلك بسبب غياب الإعلام الرسمي من ساسه "القنوات الحكومية التلفزيون الاردني وقناة المملكة "إلى رأسه" وزير الإعلام الناطق باسم الحكومة" عن المشهد ، كما أنه لا يمكنني أن أجد عذراً للذين يمارسون السادية في التعاطي مع قضايا الوطن وشخوصه على كافة مستوياتهم الاعتبارية والشخصية ، وأما الموضوع الثالث كما اشار السيد فيصل الفايز فهو الحذر من اغتيال الشخصية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تبلي بلاءً سيئاً في كثير من الأحيان في مجال تشويه الحقيقة وتشويه الأشخاص ، ما يؤدي إلى إضاعة الفرص المتاحة لإحداث إصلاح حقيقي ، وهنا أعود لأكرر أن نجاح هذه الوسائل هو بسبب غياب رؤية إعلامية رسمية تقدم الصورة الحقيقية وفق آليات إعلامية مقنعة لغالبية الشعب.
ولعل من المناسب أن اشير إلى حادثة تورطت بها وكان هدفها الإصلاح كما وصلني من خلال الصديق القديم معالي شراري كساب الشخانبة الذي كان وزيراً لوزارة الشؤون البرلمانية بحكومة الدكتور فايز الطراونة ، حيث طلب مني أن أقوم بإجراء حوارات مع الأحزاب والقوى السياسية المعارضة" 7 أحزاب" بناءً على تكليف من الدكتور الطراونة ، الذي كما فهمت انه لم يستطع إجراء الحوارات بسبب رفض الأحزاب التعاطي مع حكومته لأنه يتعاطى بإستعلاء مع الأحزاب ، وكان قد أطلق حينها عدة تصريحات صحفية تنال من الأحزاب وقادتها ودورها في المشاركة السياسية ما دفع الأحزاب إلى مقاطعة الحكومة ، وعلى قاعدة خدمة الوطن خاصة في ظل ما كان الأردن يشهده من أزمة المطالب الشعبية على وقع ما يجري في الإقليم والعالم العربي من تظاهرات مطالبة بالإصلاح أو التغيير، وجدتني أقبل بالمهمة التي أعتبرها وساماً على صدري في حال نجاحها ، وكنت سابقاً قد قدت الحوار بين الأحزاب ذاتها وحكومة الدكتور معروف البخيت الذي كلفني بالمهمة مع بداية ما كان يعرف بالربيع العربي ، وبالرغم من فشل حكومة الدكتور البخيت في تحقيق ما اتُّفِقَ عليه مع الأحزاب لعدة اسباب ، إلا أنني وانطلاقاً من الواجب الوطني اندفعت نحو الأحزاب المعارضة من أجل إقناعها بضرورة إجراء حوارات تقود للإصلاح ، وبعد أسابيع من العمل الشاق استطعت اقناع الأحزاب بالجلوس مع الحكومة من أجل الوصول إلى نقطة نستطيع عليها البناء لمرحلة جديدة ، وفعلاً قدمت الاحزاب ورقة قام بتوقيعها نيابة عن الرئيس الطراونة وزير الشؤون البرلمانية معالي شراري كساب الشخانبة ، وكانت نقطة الالتقاء هي أن تقوم الحكومة بسحب مشروع قانون الانتخابات الذي كانت الحكومة قد تقدمت به الى مجلس النواب ، وثانياً التراجع عن رفع الاسعار والبحث في حزمة إجراءات اقتصادية بديلة ، وبعد أن وافق الرئيس الطراونة تم تحديد موعد بعد يومين من أجل الجلوس في مبنى رئاسة الوزراء لمناقشة كيفية الولوج إلى عملية إصلاحية حقيقية ، تهدف إلى إنقاذ البلاد من أزمتها آنذاك ، وتم اللقاء " بغياب حزب جبهة العمل الاسلامي " وطرحت الاحزاب رؤيتها لآليات الدخول الى العملية الإصلاحية كما طرح الرئيس الطراونة وجهة نظره حول الإصلاح ، وأكاد أجزم أن عناصر الالتقاء كانت اكثر من عناصر التباعد ، وأن الجميع كان حريصاً على عدم التصعيد من قبل الأحزاب في الشارع ، أو التصعيد من الجهة الحكومية باتجاه الاحزاب والحراك الذي كان وصمته الأساسية هي الأحزاب، وليس كما حصل فيما بعد من حراك متفلت وغير منضبط ، ولكن وللأسف لم تلتزم حكومة الدكتور فايز الطراونة بأي عنوان من العناوين التي تم الاتفاق عليها، ما سبب لي الحرج مع الاحزاب ولغاية الآن أشعر بالذنب ، خاصة أن وعود الدكتور الطراونة كانت توحي بالجدية ، وهذا الحرج أيضاً نال من صديق العمر معالي شراري كساب الشخانبة ، وهو ما ضيع فرصة ثمينة أخرى من الفرص التي ضيعتها الحكومات ..! واذا كنت أجد عذراً للدكتور معروف البخيت الذي لم تستمر حكومته إلا بضعة أشهر وواجه تحديات جسام ، فإنه لايمكن إيجاد أية أعذار للسيد الطراونة وحكومته ، التي كما قلت ضيعت الفرصة في السير بطريق الإصلاح ، وجدولة الأزمة إلى حكومات لاحقة .
إن استهتار الحكومات وأجهزتها بالاستجابة لإجراء إصلاحات حقيقية كما حدث مع حكومة الدكتور الطراونة ، وما بعد ذلك من حكومات غيّبت الأحزاب والنقابات والقوى السياسية عن مجرى الأحداث ، ما أدى الى ظهور قوى أخرى متمثلة "بكتائب الفيس بوك " التي تمارس الشغب السياسي من ناحية ومن ناحية أخرى منها من يمارس العبث ، ما أرهق الدولة وشوّه إنجازاتها ، وهو ما أوصلنا الى ما نحن عليه الآن من تهشيم لصورة الدولة بكافة مكوناتها ورموزها ، ولعل تجربتا الدكتور هاني الملقي والدكتور عمر الرزاز هما الأسوأ في مرحلة العشرية الأخيرة من عمر الدولة وأحداثها.
إن ما تحتاجه البلاد اليوم حركة إصلاحية سريعة تقودها مؤسسات أركان الدولة"أعيان نواب حكومة واحزاب ونقابات وقوى سياسية فاعلة" ، وبعيداً عن إقحام جلالة الملك في هذه الحوارات كما طالب الكاتب فهد الخيطان حتى لا يتم إتهام جلالته بأنه منحاز إلى رؤية أو إلى نهج إصلاحي معين، أو أنه يوجه الحوار نحو طريق ما ،على أن يتم في نهاية مرحلة الحوارات وضع جلالة الملك كحافظ للدستور وراعٍ للسلطات بصورة ما تم الإتفاق عليه وليتم بعد ذلك مناقشة هذه الأفكار والوصول الى الاتفاق النهائي ثم يأمر جلالته بالبدء بعملية الاصلاح وفق قاعدة الخطوة خطوة ، وبما يضمن عدم تدمير ما تم إنجازه ، وبشرط واحد أوحد هو أن تكون النية صادقة باتجاه الإصلاح من جميع المكونات المشاركة بالحوارات الإصلاحية .
إن بعض الحكومات ورؤسائها الذين ارتكبوا أبغض الحلال في معالجة الملفات الاقتصادية والتي جاءت على حساب جيب المواطن ، ولم يقدموا مشروعاً إصلاحياً واحداً ، لم يدركوا خطورة الجغرافيا القلقة التي تحيط بالمملكة ، وبالتحديات الوجودية التي واجهت وتواجه البلاد من الداخل والخارج على حد سواء ، فهل نقرأ التاريخ والجغرافيا ، ونفهم حجم المؤامرة ، ونأخذ العبرة مما واجهنا ، أم سنستمر في لعبة ترحيل الأزمات ؟ ، و هل تكون تحذيرات السيد فيصل الفايز منطلقاً للقوى السياسية وللحكومة وكل المعنيين للعمل نحو الإسراع في البدء بعملية الإصلاح.
Zazzah60@yahoo.com