متلازمة ما بعد الإصابة.. الشفاء من “كورونا” ليس نهاية المطاف

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

مجد جابر

عمان- يبدو أن الشفاء من فيروس كورونا ليس نهاية المطاف لدى البعض ممن يعانون أعراضا قد تبقى حاضرة مدة طويلة، لا يدركون أسبابها وحتى ارتباطها بطبيعة المرض، وتبعاته، لكن تسبب لهم متاعب ومخاوف مما يحمله هذا المرض من تطورات ومتغيرات وآثار تبقى مرافقة للشخص مدة ليست قليلة.
ومع ارتفاع أعداد الإصابات، ومعاناة كل بيت تقريبا من مريض بالفيروس منذ بدء حالة الانتشار، بات من الملاحظ أن هؤلاء المتعافين ما يزالون يعانون أعراضا، أبرزها قلة التركيز والنسيان المستمر وصعوبة بالنوم، متسائلين: هل ذلك مرتبط بإصابتنا بـ”كورونا” وإلى متى ستستمر هذه الأعراض المزعجة والتي باتت تؤثر فينا وفي علاقاتنا؟
ولعل ذلك تماما ما حدث مع إبراهيم عبدالله الذي أصيب بفيروس كورونا، وبعد شفائه من المرض واستعادة صحته، بدأ يشعر بأمور غريبة، منها قلة التركيز والنسيان، بالرغم من أنه لم يكن يعاني أيا منها قبل ذلك، بل على العكس كان يمتاز بشدة تركيزه ونومه الصحي، وهو ما يفتقده الآن.
يقول إبراهيم إنه في بداية الأمر كان يعتقد أنه أمر نفسي وأنه يمر بهذه الحالة بسبب مخاوفه وهواجسه، غير أن استمرار هذه الأعراض معه بدأ يشعره بالقلق الكبير على صحته، وعما إذا كانت سترافقه طويلا أو أنها فترة وستمر.
ويضيف أن فقدان الشخص تركيزه وغياب القدرة على النوم، ليس بالأمر السهل على الإطلاق، بل على العكس، فالأمر مرهق نفسيا وجسديا بطريقة لا توصف، خصوصاً وأن الفيروس جديد ولا أحد يعلم بعد ما ستكون مخاطره المستقبلية وتأثيراته السلبية، وهو الأمر الذي زاد من خوفه وقلقه وحيرته.
تلك المخاوف والهواجس التي يعيشها المتعافون من كورونا، يعرفها خبير الأوبئة الدكتور محمد الطراونة بما يسمى بـ”متلازمة ما بعد الإصابة”، أو "كوفيد طويل الأمد”، وهو أمر أثارته منظمة الصحة العالمية منذ فترة وطالبت الاهتمام به، ويعني أن الأشخاص الذين أصيبوا بـ”كورونا” ما يزالون حتى بعد مرور وقت على إصابتهم، يشعرون بأعراض وتبعات مختلفة.
ويذهب الطراونة إلى أن 20 % من المصابين يبقى لديهم لمدة لا تقل عن شهر أعراض تتضمن فقدان القدرة على التركيز، و10 % منهم قد تستمر لديهم لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، مبينا أن الأعراض تتمثل في صعوبة في التنفس، قلة بالتركيز، ألم في المفاصل، صعوبة بالنوم، وقد يكون لها علاقة بالنزول المفاجئ في جهاز المناعة نتيجة الإصابة بفيروس كورونا، أو دخول الفيروس الى الجهاز التنفسي.
ويشير الطراونة الى أن هناك آثارا لـ”كورونا” تبقى طويلة الأمد، فقد تصل أحيانا الى خمسة أشهر، وحتى الآن لا يمكن معرفة المدة التي قد تستمر فيها هذه الأعراض، لأن الفيروس جديد وتبعاته غير معروفة تماما.
لذلك، يؤكد الطراونة ضرورة وجود عيادات متخصصة لمتابعة الأشخاص المتعافين من كورونا، ومتابعة ومراقبة الجهاز التنفسي لكي يعود الى وظائفه الطبيعية ما قبل الإصابة، لافتا الى ضرورة التوجه نحو دراسة هذه الظاهرة ووضع النقاط الأساسية لها وتحديدها.
الى ذلك، ضرورة الانتباه بأن لا تتداخل هذه الأعراض بأمراض أخرى، لأن ما يحصل بعد الإصابة يتشابه كثيرا مع أمراض الحساسية والجهاز التنفسي والأمراض الرئوية المزمنة، لذلك على المريض مراجعة طبيب متخصص، والتأكد من طبيعة الأعراض التي يشعر بها وتحديدها، وفق الطراونة.
الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، يوضح اختلاف الأعراض المصاحبة لـ”كورونا” ما بعد التعافي، من مريض لآخر، فهنالك من يصاب ويتشافى من دون أن تظهر عليه أعراض والعكس صحيح، بالتالي فإنه لا يمكن تعميم ما يحصل على الجميع، وأي أعراض لا تتشابه من فرد لآخر.
بالتالي، فإن ظهور أي أعراض بعد انتهاء المرض ينبغي أن لا يربك الشخص أو يقلقه، فهو أمر وارد وما ينطبق عليه ليس بالضرورة أن ينطبق على الجميع، ولا داعي لتحميل الأمور من الناحية النفسية أكثر من حجمها.
كذلك، يؤكد مطارنة ضرورة الابتعاد عن التوهمات، وعدم ربط كل شيء بالفيروس، وفي حال كانت هناك أعراض ستكون مؤقتة وتذهب مع الوقت، فمن الطبيعي أن تحدث أعراض في الجسد بعد التخلص من الفيروس والتعافي منه، والمطلوب هو التفكير بإيجابية، والنظر بتفاؤل بأن الشخص استطاع اجتياز المرض والتغلب عليه، وتجاوز مراحل حرجة.
ويحذر مطارنة من الانجرار وراء الإشاعات، أو الاستماع الى تجارب الآخرين السلبية، فلكل شخص حالة خاصة به، ولا يمكن مقارنتها مع غيرها، هذا ما يجب أن يدركه ويعيه الجميع، والأفضل في هذه الحالة مراجعة المتخصص ومعرفة ما يجب فعله والعمل على رفع الطاقة الإيجابية والحالة النفسية.
وكانت تقارير أفادت بأن "كوفيد طويل الأمد” قد يؤثر على المصابين. وذكر تقرير المعهد الوطني البريطاني للبحوث الصحية أنه قد يكون هناك تأثير نفسي كبير على الأشخاص، ولذلك هم بحاجة إلى مزيد من الدعم. وتبعت دراسة أجريت في أكبر مستشفيات العاصمة الإيطالية روما، ونشرت نتائجها في دورية الجمعية الطبية الأميركية، حالات 143 مصابا بعد إخراجهم.
وبينت الدراسة أن 87 في المائة من هؤلاء كانوا ما يزالون يعانون عرضا واحدا على الأقل بعد نحو شهرين من خروجهم من المستشفى، بينما اشتكى نصفهم من الإرهاق، وأن مصابا واحدا من كل 50 يعانون أعراضا بعد مضي 90 يوما.
ووفق ما نشر على مواقع طبية، فإن هناك كثيرا من الأمور المجهولة بشأن تأثير "كوفيد 19” على الناس على المدى الطويل، وما تزال الأبحاث مستمرة. وينصح الباحثون الأطباء بمراقبة الأشخاص الذين أصيبوا عن كثب للتأكد من سلامة وظائف أعضاء الجسم بعد التعافي.
وتعكف العديد من المراكز الطبية الكبيرة بالعالم على افتتاح عيادات متخصصة لتوفير الرعاية للأشخاص الذين يصابون بأعراض مستمرة أو أمراض ذات صلة بـ”كوفيد 19″ بعد التعافي منه، كما تتوفر مجموعات للدعم.


© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences