الأردن: «أزمة في إدارة الأزمة»… حراك «المعلم» و«المخفي» في ورقة «الإخوان المسلمين» ومخاوف «المكونات»
الشريط الإخباري :
أحمد الحجايا نقيب المعلمين الأردني الراحل ونائبه الحالي الذي قاد اعتصامات الخميس الملتهب أمس الأول الدكتور ناصر نواصره مختلفان في الآيديولوجيا والموقف السياسي والانحياز والتصور.
رغم ذلك وبعد وفاة الحجايا بحادث سير مفجع صدم جميع الاردنيين الاسبوع الماضي وخلال تفصيلات الاشتباك بين وزارة الداخلية والمعلمين وسط الشارع قبل يومين حرص النواصره على تسمية الدوار الرابع بـ «دوار الحجايا» وأصر على إقامة «صلاة الغائب» على الفقيد الراحل عند»الدوار الثالث» وسط العاصمة بعد إغلاق «الرابع». وبوضوح شديد تعرض الحجايا قبل رحيله لضغط عنيف من السلطات حتى يلغي موعد الاعتصام الذي أثار ضجة الخميس.
إحدى حلقات الضغط حسب مقربين من نائبه النواصره كانت على شكل «تحذير» من «أجندة الإخوان المسلمين» في النقابة التي يمثلها النواصره خصوصاً وأن الأخير مرشح سابق للانتخابات عن قائمة جبهة العمل الإسلامي ويتردد انه كادر متقدم في جماعة الإخوان المسلمين رسمياً، الأمر الذي لم يعلن رسمياً.
حتى تلك الإشارة التحذيرية تجاهلها الحجايا قبل رحيله مع تحفظاته السابقة علنياً على «تسييس نقابة «كان الراحل الكبير يريدها «مهنية « وليست سياسية.
هنا اصر الراحل – رحمه الله – على أجندة مهنية تؤدي لتحسين حياة ومعيشة المعلم والعودة لاتفاق مكتوب مع حكومة الرئيس عبدالله النسور وبنسبة زيادة على الراتب تصل لـ50%.
لاحقاً وإزاء فوضى الضغط على الحكومة تم تحديد موعد الاعتصام الذي نظرت له السلطات بارتياب شديد ليس لالتصاقه بطبقة المعلمين ولكن خشية ان يستثمر ويؤدي لإحياء وإنعاش الحراك الشعبي في مرحلة حساسة جداً تترتب خلالها «المعطيات الدستورية» التي تحدث عنها الملك عبدالله الثاني علناً في رسالة شهيرة لمدير المخابرات الجديد الجنرال أحمد حسني. وطوال الوقت حرص المسؤولون على تجنب «الصدام» مع المعلمين في الشارع عبر تفويت فرصة اعتصام سينشر الفوضى لو حصل وقد يستغل من جهة أطراف عدة.
انتقلت الضغوط على نقيب المعلمين بالوكالة ومن ورث الموقع النواصره والذي يعتبر «صقوريا» في مسألة المطالب قياسا حتى بالراحل الحجايا.
جرت الحكومة من وراء حجاب الضغط على النواصره شخصياً فاعتذر على أساس أن قرار الاعتصام تملكه «الهيئة العامة» وليس بين يديه.
جرت اتصالات مع مستويات في الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين على أمل التدخل بسبب الوجود الكتلوي المؤثر في المجلس المركزي للنقابة لصالح التيار الإسلامي.
اعتبر الإخوان المسلمون هنا الملف «مطلبياً ومهنياً» وليس «سياسياً» وقررت المؤسسات الإسلامية عدم التدخل أيضاً وشعرت دوائر القرار بأن «النكهة الإسلامية» في هيئات نقابة المعلمين ومن وراء الستار قد تستثمر في «التأزيم والاعتصام».
العنصر «الإخواني الخفي» في معطيات ما وراء الستارة كان حاضراً وسط رغبة كل الاطراف بعدم التركيز عليه. وملف الاعتصام للمعلمين في المقابل عابر للحكومة وتحول من ملف «بيروقراطي سياسي» إلى ملف له علاقة بـ»الأمني» وسط تمسك واضح من جبهة العمل الإسلامي بعدم التدخل والامتناع عن دعم الاعتصام والتأزيم من دون لعب دور لصالح التصور الرسمي في المقابل خصوصاً أن التيار الإخواني متمسك بعدم المشاركة في «لعبة الشارع».
ما لم يفهم بعد هو الأسباب التي دفعت وزير التربية والتعليم الدكتور وليد المعاني والمربع الوزاري بقيادة الرئيس عمر الرزاز للصمت ستة ايام بعد رحيل الحجايا الذي ألهب أصلاً مشاعر المعلمين وبدون أي مبادرة للحوار أو لمنح النواصره ورفاقه في قيادة النقابة مساعدة أو فرصة للنزول عن شجرة الاعتصام.
وما لم يفهم هنا نجح في إنتاج أزمة منشطرة لأزمات عدة حيث تحدث كبار الساسة عن «أزمة في إدارة الأزمة» أصلاً وحيث «مشاهد» من الصنف الذي يبقى في الذاكرة لسنوات وبصيغة تغذي الحراك واحتمالاته.
الحديث هنا عن مشهد رجل الأمن الذي يعتدي على «معلم» وعن خطابات موجعة وجهها المعلمون للرأي العام.
والأهم عن قرار غامض الخلفيات بـ «إغلاق» وسط عمان وطرق المحافظات في مجازفة لم تتضح بعد أهدافها وتستخدم لأول مرة في إطار «بوليسي» بحت أعقبه تطرف في موقف الحكومة رغم كل الملاحظات السلبية على توقيت وتأزيم نقابة المعلمين.
وبهذا التكتيك الأمني تأجلت الأزمة فقط ليوم غدٍ الأحد ولم تعالج حيث أعلنت نقابة المعلمين اضرابها الأول عن العمل صبيحة الاحد وفي مختلف مدارس المملكة وتحت عنوان المجازفة بـ «إسقاط الفصل الدراسي».
الإضراب هنا مسألة لم تختبر سابقاً لا من قبل المعلمين ولا الشعب ولا السلطة. وعليه النتائج مفتوحة أيضاً على تأزيم جديد في المشهد حمال أوجه يحتاج للتروي من كل الأطراف ولكلمة سواء على حد تعبير الوزير الأسبق محمد داوودية.
المستجد تماماً بالنسبة للسلطة ودوائر القرار هنا أن الصدام اليوم في الشارع مع شريحة واسعة تقدر بـ120 ألف معلم. وهي شريحة تكمن الصعوبة معها في أنها تتجاوز أي تعبير سياسي أو حزبي أو مكوناتي او مناطقي او عشائري أو جهوي فطبقة المعلمين المجروحة اليوم في الأردن تضم وتمثل جميع الشرائح والمكونات في المجتمع وعصية على «أي تصنيف» ومن الصعب اتهامها أصلاً خلافاً لأن مطالبها «شرعية وعادلة» ومن النوع الذي لا يمكن لطرف أن يعترض عليه.
بسام بدارين - القدس العربي