100 أستاذ جامعي يدينون قمع الحراك.. ومؤرخ: حان الوقت للإستماع لصوت العقل
الشريط الإخباري :
طالب نحو مائة أستاذ جامعي جزائري، يتقدمهم نور الدين مليكشي الباحث مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا”، سلطات البلاد، بوقف القمع وإطلاق سراح مساجين الرأي، واعتبروا السياسة الحالية خطرًا على الانسجام الوطني.
واعتبر الاساتذة الذين يدرسون في 40 جامعة في داخل البلاد وخارجها، أن الجمعة 117 الماضية من الحراك الشعبي، شهدت تضييقًا أمنيًا وقمعًا، لم يشهد لهما مثيل.
وأشاروا في بيان نشرته صحيقة "الخبر” إلى "أن هذا القمع بلغ ذروته باعتقال مئات المواطنين بدون تمييز(رجال، نساء، شيوخ، شباب)ـ وإطارات من مختلف القطاعات والتخصّصات، ونخب جامعية تعتبر مفخرة للجزائر”.
وتساءل بيان الجامعيين: "أيعقل أن يُعتقل أستاذ جامعي فضل البقاء في بلده للمساهمة في تكوين أبناء وطنه؟ أيعقل أن يعتقل طالب يعبر عن حبه للوطن بنضاله السلمي؟ أيعقل أن يعتقل صحافي لأنه ينقل الخبر؟ أيعقل أن يعتقل محامي مهنته الدفاع عن المواطن باسم القانون؟ لا! لا يعقل أبدًا”.
ومن بين المعتقلين أستاذ الفيزياء البروفيسور جمال ميموني، خريج جامعة بنسلفانيا الأمريكية، إلى جانب آخر من الأساتذة الجامعيين، والباحثين، الذين اعتقلوا في مدينة قسنطينة (عاصمة الشرق الجزائري)، و من بينهم المؤرخ، والباحث المشارك في جامعة "إكسيتر” البريطانية، والمخرج التلفزيوني السابق حسني قيطوني، الذي قال في حوار مع صحيفة "ليبرتي”، تعليقا على اعتقاله ( قبل إطلاق سراحه): "لم أتخيل أبدًا أنه في مدينتي، في بلدي، يمكن أن يحدث لي شيء كهذا، عندما لم أفعل شيئًا خاطئًا على الإطلاق. كنت أسير في شارع يقع على بعد 100 متر بالضبط من الشارع الذي يحمل اسم والدي الشهيد قيطوني عبد المالك، أين شاهدت عندما كنت طفلاً عمليات الاعتقال والانتهاكات من قبل الجيش الفرنسي، حيث رأيت كيف يتم وضع إخواننا في شاحنات الاعتقال. والآن، بعد ستين عامًا من الاستقلال، تم القبض عليّ من قبل الشرطة في بلدي، دون سبب، للاشتباه في ارتكاب جريمة تجمع. على الرغم من أن الشرطة تعاملت بشكل جيد معي، إلا أنه لا يوجد ما يبرر هذا الاعتقال، خاصة أنه لا يستند إلى أي أساس قانوني. علاوة على ذلك، فإن رؤية فتاتين، تتراوح أعمارهما بين 10 و14 عامًا، يتم القبض عليهما مع والدتهما لارتكابهم الخطأ التواجد في الموقع المزعوم للمظاهرة، كان الأمر لا يطاق بالنسبة لي ولم أستطع فعل أي شيء لمعارضته”.
ولدى سؤاله عن وجه الحقيقة في انتقاد استقالة النخبة من مرافقة ما يحدث في البلاد، أكد الباحث أن "مصطلح النخبة إما مفرط في استخدامه لدرجة لا تعني شيئًا، أو مقيدً جدًا لدرجة عدم احتضان فاعلين من النخبة حقًا، ولكن لا يشملهم التعريف الذي نعطيه عادةً لهذا المصطلح. هناك حاجة للتوضيح هنا، لأن النخبة ليست بالضرورة مرادفة لفئة مفيدة بشكل إيجابي للتغيير والتقدم. إذا كنت تشير بسؤالك إلى الفاعلين السياسيين والثقافيين الذين من خلال إنتاجهم العقلي، من خلال عملهم، وخطاباتهم، يكون لهم تأثير حاسم على الضمير الجماعي وسلوك المواطنين، والذين يساهمون في تنمية المعرفة وتغذية نقاشات المجتمع بإسهاماتهم وأفكارهم، فهذه النخبة ليست متجانسة أبدًا، إنها مقسمة حسب الاختلافات الاجتماعية والأيديولوجية التي تعبر المجتمع. لذلك يجب أن نتحدث عن النخب بصيغة الجمع بدلاً من النخبة”. وزاد قائلا إنه "بالإضافة إلى ذلك، أعتقد أن الحراك تسبب في فرز كبير داخل النخب، الأمر الذي أجبر مثقفين وجامعيين وسياسيين على دعم كبير للسلطة القائمة والطبقات الحاكمة المسيطرة. تَم هذا الفرز على مرحلتين، من 22 فيفري 2019 وبعد استئناف مسيرات الحراك في عام 2021. اتسعت دائرة أعداء الحراك لتشمل "المثقفين التقدميين” المعروفين بخطابهم المعادي للإمبريالية والحداثيين، إلخ. . مثل ما لا أحد نبي في بلده. لكن هذا الفرز أثار أيضًا دعما الاتجاه المعاكس، حيث وجد جزء من النخب أنفسهم قلباً وقالبا داخل الحراك. أكاديميون مشهورون وكتاب وصحفيون ومحامون مشهورون ملتزمون بالحراك”.
وأشار أنه "إلى جانب هؤلاء، يجب أن نضيف أولئك الذي أبرَزهم الحراك. أخيرًا، أعتقد أن الحراك وسَّع مجال التعبير والعمل السياسي والثقافي من خلال إبراز فاعلين جدد مبدعين شباب وفنانين وشعراء وكتاب وصحفيين ومصورين و”يوتيوبرز” ومؤثرين أعطوا نفسا وألواناً وإيقاعات، شعرا ورؤية استثنائية للحراك.
هؤلاء الفاعلون هم أيضًا من النخب المهمة والذين يشاركون في تمهيد الطريق للمستقبل. هؤلاء يعبرون باللغات الثلاث في مشهدنا الثقافي، وليس لهم أي عقد، وقبل كل شيء لا يحملون أي عبء من الماضي”.
وحول دور هذه النخبة الجديدة، يقول قيطوني "إن الحراك أدى إلى ظهور نخبة جديدة من خلال أفكارها وسلوكها وأخلاقها والتزامها. هذه النخبة متجذرة بقوة في المجتمع وترفض بعناد فصل نفسها عنه وخطر فقدان روحها. هناك نوع من "المثقفين العضويين” يتكونون يقومون بمرافقة حراك المواطنين ويتمسكون بمنحهم آفاقا نظرية وبرامجية وأخلاقية…لكن، لا يمكن القيام بهذا إلا في ظل تبادل للأفكار، لأن كل الفكر التأسيسي اجتماعي بالضرورة. لكن للأسف فإن المساحات ووسائل الاتصال ووسائل الإعلام المهيمنة محاصرة من قبل السلطة ونخبها. إنه أمر مروع، لكنه كذلك. الشعر الجميل والمناقشات الجيدة والأعمال الجميلة محكوم عليها بالتعبير عن نفسها من خلال شبكات موازية”.
وحل تصاعد حملة قمع المتظاهرين خلال الجمعة الماضية، مع اقتراب الانتخابات التشريعية، أكد الكاتب أن "القمع لم يشهد تصعيدًا، بل تحولًا في النموذج. الأساليب المطبقة في 14 ماي تتبع منطقًا خاصًا بحالة الطوارئ، عندما يتوقف الدستور والقوانين عن العمل لإفساح المجال للتعسف المطلق. أولئك الذين قرروا طريقة العمل تلك في 14 ماي فعلوا ذلك بنية تحطيم الحراك بأي ثمن. لم يعودوا يهتمون بالشكليات القانونية. لقد انتقلنا من قمع التجمع إلى قمع افتراض جرائم التجمع”.
وهذا يعني، حسب الكاتب "أن أي شخص في الموقع المزعوم للمظاهرة، بغض النظر عن سبب وجوده، يُفترض أنه مذنب، وبالتالي، يتم القبض عليه أو الاعتداء عليه إذا قاوم. وبهذه الطريقة، هناك سعي لوقف المظاهرات في مهدها من خلال اجتياح المتظاهرين المحتملين على نطاق واسع جدًا، وهذا مبكرًا وعلى نطاق واسع. هذه الطريقة القمعية قابلة للتطبيق فقط في ظل نظام شمولي (اعتقال الأشخاص بافتراض الجرم)”.
ويؤكد الباحث أنه علاوة على ذلك، "فهذه المقاربة كارثية سياسيا وبالنسبة لصورة السلطة. ومن هنا، فإن الافتراض بأنه تم استخدامها على وجه التحديد لمعالجة مستعجلة بإنهاء الاحتجاجات على عجل استعدادًا للانتخابات المقبلة. لكن السؤال كله هو معرفة ما هي الإجابة التي سترد بها العبقرية الشعبية في الأسابيع التالية؟”.
وعن سؤال ما الذي يمنع السلطات من اتخاذ إجراءات التهدئة وبدء حوار محتمل، يقول قيطوني "إنه للإجابة على هذا السؤال بإيجاز، يجب الإشارة أننا نشهد للمرة الأولى منذ الاستقلال وضعاً سياسياً غير عادي. حيث لا تملك القوى المسؤولة عن القرار سيناريو خروج توافقي من الأزمة في سياق يتسم بغياب قوة تحكيم متفق عليها حولها”.
ويضيف "تتفاقم هذه الهشاشة في قمة الدولة من خلال التفكك العام وفقدان الخبرة مما يجعل حل الأمور أكثر تعقيدًا. عدم استقرار الكادر السياسي في هذا الصدد مؤشر على عدم قدرة السلطة على إيجاد الحلول، وعدم مساءلة نفسها، فتضحي بأشبه المسؤولين للتغطية على إخفاقاتها. كل هذا بالطبع في ضبابية كاملة. لهذا فإن السلطة ليس لديها ما تقدمه كبديل، لأنها لا تملك أي شيء، وتمارس سياسة الهروب للأمام.”
غير أنه يشدد على أن "هذا لا يعفي الحراك من الحاجة إلى التوصل إلى حلول خاصة به على أمل أن تتغير ميزان القوى، وسوف تتغير بالتأكيد إذا أدرك أولئك الذين يمتلكون سلطة اتخاذ القرار أن الوقت قد حان للاستماع لصوت العقل والوطنية.”
وحول مآلات الوضع في ظل التطورات الحالية، يقول الباحث: "لديّ انطباع أن الأشخاص الذين يحكموننا هم عُماة عما كان يحدث خلال العامين الماضيين: الحراك ليس حُمى عابرة أو بدعة من أطفال مدللين. إنه حراك يعبر عن أزمة عميقة ومتعددة الوجوه وحقيقية تأتي من بعيد. أزمة تلخص تمامًا المرض العميق لمجتمعنا: نظام سياسي يتناقض تمامًا مع احتياجات وتطلعات مجتمعنا.”
ويؤكد ابن الشهيد في الأخير على أن "سيادة الشعب، كما حملها رجال ونساء نوفمبر، لا تزال هدفا لم يتحقق. لا يمكن لأحد أن يعترض على تحقيقه الضروري، إلا من خلال أدوت من عصر آخر، وهو القمع الغبي والشرير. ومع ذلك، فإن تجربة شعبنا قد علمته بالتحديد، من خلال تقلبات تاريخه، أن يجد دائمًا الوسائل لمقاومة مضطهديه وإلحاق الهزيمة بهم”.
القدس العربي