نظام التعيين على الوظائف القيادية يتضمن نصوصاً وأحكاماً تخالف الدستور واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد
الشريط الإخباري :
المحامي إسلام الحرحشي – مدير مركز إحقاق للدراسات القانونية
أولاً: إن الوظائف العامة في الدولة على اختلاف أنواعها ودرجاتها مدنية أو عسكرية أو حكومية أو قضائية أو عليا أو قيادية أو عادية هي وظائف ملك للشعب (دافع الضرائب)، فهذه الوظائف يتقاضى شاغلوها رواتبهم وامتيازاتهم من أموال الخزينة العامة للدولة (أموال دافعي الضرائب)، ويتوجب على شاغليها القيام بالخدمة المدنية العامة، فهذه الوظائف تستهلك من المال العام وتستهدف الصالح العام.
ثانياً: لقد بَيَّنت المادة (4) من (نظام الخدمة المدنية رقم 9 لسنة 2020) أن الخدمة المدنية ترتكز على مبادئ وقيم سيادة القانون، والمساءلة والمحاسبة، والشفافية، والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، والحاكمية الرشيدة والنزاهة، وقد بَيَّنت المادة (42) من ذات النظام أن التعيين في وظائف الخدمة المدنية يتم وفق الاحتياجات التي تم إقرارها في جداول تشكيلات الوظائف بما يحقق استخدام أفضل الكفاءات وفق أسس الاستحقاق والجدارة وتحقيق مبادئ الشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص، وأن يتم إجراء الامتحانات التنافسية والمقابلات الشخصية لإشغال الوظائف الشاغرة وفقاً لتعليمات اختيار وتعيين الموظفين.
ثالثاً: صدر (نظام التعيين على الوظائف القيادية رقم 34 لسنة 2021) ونشر في الجريدة الرسمية في العدد (5721) بتاريخ (1/6/2021)، وقد عرفت المادة الثانية منه الوظيفة القيادية بأنها أية وظيفة من وظائف المجموعة الثانية من الفئة العليا الواردة في نظام الخدمة المدنية، وأية وظيفة يتم التعيين عليها بقرار من مجلس الوزراء ويقرر شمولها بأحكام هذا النظام، وقد قضت المادة (11) منه بأن يستثنى من أحكام هذا النظام (المحافظون والسفراء وأمين عام مجلس الاعيان وأمين عام مجلس النواب ومدير عام مكتب كل من رئيس الوزراء ورئيس مجلس الاعيان ورئيس مجلس النواب وأمين سر مجلس الوزراء وأمين عام رئاسة الوزراء)، كما قضت المادة (11) بأن لمجلس الوزراء في حالات محددة التعيين على أي وظيفة قيادية بقرار منه بناء على تنسيب مباشر من المرجع المختص مباشرة ودون الالتزام بأحكام الاعلان والتنافس التي قررها النظام.
رابعاً: يَتَبَيَّن أن الوظائف القيادية التالية مستثناه أو لا تشملها أحكام الاعلان والتنافس التي قضى بها (نظام الخدمة المدنية رقم 9 لسنة 2020) وهي:
أ. الوظائف العامة العليا من المجموعة الأولى التي بيَّنتها المادة (16) من (نظام الخدمة المدنية رقم 9 لسنة 2020) وهي (قاضي القضاة، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس ديوان الخدمة المدنية، ورئيس ديوان التشريع والرأي، رئيس هيئة الاستثمار).
ب. الوظائف العامة العليا التي بَيَّنها (نظام الخدمة المدنية للمناصب العليا في الديوان الملكي الهاشمي رئيس الديوان الملكي الهاشمي رقم 2 لسنة 1988) وهي (مستشارو جلالة الملك، وكبير الامناء وامناء جلالة الملك، وناظر الخاصة الملكية، والطبيب الخاص، وأمين عام الديوان الملكي، والمستشار في الديوان الملكي الهاشمي، ورئيس التشريفات الملكية).
ج. الوظائف العامة العليا التي يتم التعيين عليها بقرار من مجلس الوزراء ولا يقرر شمولها بأحكام (نظام التعيين على الوظائف القيادية رقم 34 لسنة 2021).
د. الوظائف العامة العليا من المجموعة الثانية التي بيَّنتها المادة (11) من (نظام التعيين على الوظائف القيادية رقم 34 لسنة 2021) وهي (المحافظون والسفراء وأمين عام مجلس الاعيان وأمين عام مجلس النواب ومدير عام مكتب كل من رئيس الوزراء ورئيس مجلس الاعيان ورئيس مجلس النواب وأمين سر مجلس الوزراء وأمين عام رئاسة الوزراء).
هـ. الوظائف العامة العليا القيادية من المجموعة الثانية التي بيَّنتها المادة (11) من (نظام التعيين على الوظائف القيادية رقم 34 لسنة 2021) التي يقرر مجلس الوزراء في حالات محددة التعيين فيها بناء على تنسيب مباشر من المرجع المختص مباشرة ودون الالتزام بأحكام الاعلان والتنافس التي قررها النظام.
خامساً: وبذلك يَتَبَيَّن أن قيم سيادة القانون، والمساءلة والمحاسبة، والنزاهة والشفافية، والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، والجدارة والكفاءة، والحاكمية الرشيدة تكون غائبة عند التعيين في الوظائف العامة العليا القيادية المُبَيَّنة في البند السابق (ربعاً) إذ أنه لا يتم الاعلان عن هذه الوظائف لدعوة أصحاب الكفاءة من الأردنيين لإشغالها والتعيين فيها، ولا يتم إجراء الامتحانات التنافسية والمقابلات الشخصية لإشغال هذه الوظائف العامة التي هي ملك للشعب (دافع الضرائب)، ويتوجب على شاغليها القيام بالخدمة المدنية العامة، كما يَتَبَيَّن أن التعيين في هذه الوظائف العامة يتم دون بيان المعايير التي على أساسها اختار مجلس الوزراء هذا الشخص لإشغال هذه الوظيفة واستبعد غيره؟؟؟ ولا شك أن هذه المعايير هي معايير غير موضوعية وغير علمية ولا تتسم بالشفافية والنزاهة والحياد، لا بل أن الأمور تجري على أسس الهوا والشخصنة والواسطة والمحسوبية.
سادساً: إن الدستور الأردني قد أكد في المادتين (6/1) و (22) على أن حق التعيين والمنافسة على الوظائف العامة هو حقٌ دستوري للمواطنين الأردنيين بشكل عام، ويقضي هذان النصان الدستوريان بوجوب أن يتم اختيار من يُعيَّن في هذه الوظائف العامة على أساس الكفاءة والمؤهلات العلمية والعملية، ووجوب أن يتساوى المواطنون الأردنيون في حقهم الدستوري في التعيين على هذه الوظائف العامة والمنافسة عليها.
فالمادة (6) من الدستور تنص على ما يلي:
(الاردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين).
وتنص المادة (22) على ما يلي:
(1- لكل أردني حق في تولي المناصب العامة بالشروط المعينة في القانون أو الأنظمة.
2- التعيين للوظائف العامة من دائمة ومؤقتة في الدولة والإدارات الملحقة بها والبلديات يكون على أساس الكفايات والمؤهلات).
سابعاً: إنه مما لا شك فيه أن المساواة والعدالة لا تتحقق بين المواطنين الأردنيين الذين تتوافر فيهم شروط هذه الوظيفة إلا بالإعلان عن الحاجة للتعيين على هذه الوظيفة العامة وفتح باب الترشيح والمنافسة وتقديم طلبات التوظيف من قبل كل من يجد في نفسه الكفاءة والمؤهلات العلمية والعملية لشغل هذه الوظيفة العامة وفق الشروط والمهام المحددة بهذه الوظيفة العامة، وأن يتم دراسة هذه الطلبات من قبل لجنة تقييم خاصة تعمل على أسس علمية وموضوعية وحيادية وشفافة للتنسيب للمرجع المختص بالتعيين باسم الأقدر والأجدر لتولي هذه الوظيفة العامة على أساس الكفاءة والمؤهلات العلمية والعملية.
إن المادة (22) من الدستور تقضي بأن التعيين على المناصب والوظائف العامة من دائمة ومؤقتة هو حق لكل أردني وفق الشروط المعينة في القانون أو الأنظمة، وتقضي أيضاً بأن يكون التعيين على هذه المناصب والوظائف العامة على أساس الكفايات والمؤهلات.
وبالتالي فإن مقتضيات تطبيق هذا النص الدستوري الذي يسمو على القوانين والأنظمة توجب أن يكون التعيين في الوظائف العامة على أساس الكفايات والمؤهلات من أجل اختيار الأكثر كفاءة والأعلى تأهيلاً من أصحاب الحقوق في التعيين من بين المواطنين الأردنيين، وهذا بكل تأكيد لا يتحقق إلا بأن يقوم المرجع المختص بالتعيين بالإعلان عن الوظيفة الشاغرة وأن يتضمن هذا الإعلان المهام المنوطة بهذه الوظيفة والشروط الواجب توافرها فيمن يشغل هذه الوظيفة، وأن يكون باب الترشيح والمنافسة وتقديم الطلبات حقاً لكل مواطن أردني يجد في نفسه الكفاءة والأهلية والقدرة على شغل هذه الوظيفة والتعيين عليها، وأن يتم استقبال هذه الطلبات ودراستها من قبل لجنة متخصصة قادرة على تقييم طلبات التوظيف على أسس موضوعية وعلمية ونزيهة وشفافية وتعمل هذه اللجنة على تنسيب الأفضل والأكفأ والأكثر تأهيلاً ليقوم المرجع المختص بالتعيين بتعينه لينهض بواجبات ومهام الوظيفة باقتدار ليحقق المصلحة العامة بأمانة ومسؤولية.
وبذلك يَتَبَيَّن أنه تم مخالفة أحكام المادة (22) من الدستور ومقتضياتها، ومخالفة أحكام المادة (7) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها الأردن والتزم بأحكامها، وهذه المخالفة تؤدي بالضرورة إلى هدر حقوق المواطنين الأردنيين الدستورية والدولية والأممية وتحرمهم من حق المنافسة والترشح وحق تقديم طلبات التوظيف على هذه الوظيفة العامة، وتجعل التعيين على هذه الوظيفة على هذا النحو أساسه شخصي، وليس أساسه موضوعي وعلمي، ولا تتوافر فيه مبادئ ومتطلبات النزاهة والشفافية والحوكمة الرشيدة.
ثامناً: وعليه يتبيَّن بأن الطريقة التي تم بها التعيين في الوظائف العامة العليا القيادية المُبَيَّنة في البند (ربعاً) هي طريقة مخالفة للدستور ولاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهي طريقة تعيين غير موضوعية وغير علمية ولا تتوافر فيها مبادئ الشفافية والنزاهة والحياد والكفاءة، وإنما هي طريقة تعزز الشخصنة والمحسوبية والشللية والفساد؛ فباب الترشيح والمنافسة على هذه الوظائف العامة العليا القيادية قد تم هدره من قبل مجلس الوزراء خلافاً لأحكام الدستور ولأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على نحو ما قد تم بَيَّانه تفصيلاً، وقد كان يتوجب على المشرع أن يجعل هذه الوظائف العامة العليا القيادية خاضعة لأحكام نظام التعيين على الوظائف القيادية من حيث شمولها بأحكام الاعلان والتنافس التي قررها النظام.
تاسعاً: إن مؤسسات المجتمع المدني الرقابية الرسمية والأهلية التي تُعنى بالشفافية والنزاهة والحوكمة الرشيدة ومحاربة الفساد معنية اليوم بمتابعة هذا الموضوع المهم مع الجهات ذات العلاقة التي تعنى بتعزيز منظومة الشفافية والحوكمة الرشيدة