لماذا يثير ارتفاع التضخم القلق في أغلب أنحاء العالم؟
الشريط الإخباري :
باريس – أ ف ب: وسط الانتعاش الاقتصادي وازدياد الطلب على المواد الخام، يرتفع التضخم في جميع أنحاء العالم لدرجة أن البعض يخشى أن يهدد الخروج من الأزمة الاقتصادية الناشئة عن التداعيات وباء كوفيد-19، رغم أن معظم الاقتصاديين يعتبرون أنه مؤقت.
• لماذا ترتفع الأسعار؟ بلغ التضخم في الولايات المتحدة في مايو/أيار الماضي 5 في المئة على مدى عام، وهو أعلى ارتفاع له منذ نحو 13 عاماً. وبلغ 2.1 في المئة في المملكة المتحدة و2.5 في المئة في ألمانيا. وسجلت الصين أيضا أسعار إنتاج في أبريل/نيسان هي الأعلى منذ نحو أربعة أعوام.
أما الدول النامية التي يعاني بعضها من تضخم مزّمن، فقد طالها الأمر أيضا: 18 في المئة في مارس/آذار في نيجيريا، و8 في المئة في مايو/أيار في البرازيل، و17.14 في المئة في أبريل/نيسان في تركيا.
قال نيل شيرينغ، كبير الاقتصاديين في شركة «كابيتال إيكونوميكس» الاستشارية البريطانية المرموقة، في تحليل أن «الزيادة في التضخم حتى الآن تعكس إلى حد كبير مزيجاً من ارتفاع أسعار المواد الخام والتضخم المرتبط بإعادة فتح الاقتصادات».
فقد ارتفعت أسعار النفط بعد انخفاضها العام الماضي، في حين خلق الانتعاش الاقتصادي القوي في الصين والولايات المتحدة شهية هائلة للمواد الخام. غير أنه توجد صعوبات في الإنتاج لمواكبة هذا النسق، ما يؤدي إلى نقص في السلع وارتفاع كبير في الأسعار.
• أي أثر على الأسر والشركات؟ صارت تداعيات التضخم محسوسة في كافة أنحاء العالم تقريباً. ففي نيجيريا، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 23 في المئة في مارس/آذار، وهي كارثة لملايين الناس.
وفي الولايات المتحدة، ارتفع سعر لحم الخنزير المستهلك على نطاق واسع بنسبة 51 في المئة خلال عام.
أما نتائج أعمال الإنشاء فقد جاءت مخيّبة في الشهر الماضي، كما هو الحال في فرنسا مثلا، إذ تأخرت مشاريع نتيجة عدم توفر الخرسانة والخشب بأسعار مقبولة.
ويسود القلق أيضا في قطاع صناعة السيارات، نتيجة ارتفاع أسعار الروديوم والبلاديوم والفولاذ.
وبناء على ذلك، قررت الصين الاعتماد على احتياطياتها من النحاس والألمنيوم والزنك لمساعدة مصنّعيها.
• هل سيدوم الأمر؟ يضع استمرار التضخم آفاق التعافي الاقتصادي على المحك. ويرى وليام دي فيلدر، كبير الاقتصاديين في مصرف «بي ان بي باريبا» الفرنسي، أن «التهديد يبدو منخفضاَ بأن ذروة التضخم الحالية ستؤدي إلى تضخم مستدام على مدى فترة زمنية أطول».
ويضيف الخبير في تحليل حديث أن ارتفاع العرض مقابل الطلب في سوق العمل لن يدفع في اتجاه زيادة المرتبات، في حين أن «ضغوط التنافس» ستعيق ارتفاع الأسعار على المدى الطويل.
في المقابل، تعتبر سوزانا ستريتر/ المحللة في شركة «هارغريفز لانسداون» البريطانية لإدارة الاستثمارات، أن «نقص العمالة في الصناعات الرئيسية قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم واستمراره لفترة أطول».
في الوقت الحالي، تصدر البنوك المركزية المسؤولة عن التحكم في مستويات التضخم تطمينات، حتى بعد رفع مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) توقعات التضخم لعام 2021 في الولايات المتحدة.
• لماذا تتجه الأنظار إلى البنوك المركزية؟ في الولايات المتحدة، كان تأثير خطط الدعم الهائلة التي أعلنت عنها إدارة الرئيس جو بايدن أشبه بصدمة كهربائية في الأسواق.
فقد أدت المخاوف من التضخم المستمر إلى ارتفاع أسعار الفائدة في سوق الديون السيادية، حيث يتوقع المستثمرون أن الاحتياطي الفدرالي سيرفع أسعار الفائدة اليسية بأقرب مما كان متوقعاً للحد من الفوران الاقتصادي.
خلال اخر اجتماع عقده الاحتياطي يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، ساد توافق حول البدء في زيادة أسعار الفائدة اعتبارا من عام 2023.
بالمثل، ارتفعت أسعار الفائدة أيضا في أوروبا، ولكن بشكل محدود حتى الآن، ما يسلط ضغطاً على البنك المركزي الأوروبي.
ولكن إن كان الانتعاش الاقتصادي يلوح في الأفق، فإنه لا يزال هشا، ويمكن لتشديد السياسة النقدية (زيادة الفائدة) أن يقضي عليه في مهده.
توضح سوزانا ستريتر أن «ذلك سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة على قروض الإسكان وقروض الاستهلاك» الأمر الذي قد يضعف الطلب لدى الأسر. وتضيف أن ذلك يمكن أيضا أن «يثبط الشركات التي تحتاج إلى اقتراض الأموال لتنمو».
يذكر أن منطقة اليورو مرت بتجربة مريرة بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 تريد دول المنطقة والبنك المركزي الأوروبي تجنبها هذه المرة.
من جهتها، أكدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، الأسبوع الماضي أنه من «السابق لأوانه» التفكير في زيادة أسعار الفائدة وتقليص دعم الاقتصاد.
لكن في آيسلندا والبرازيل وروسيا، رفعت البنوك المركزية بالفعل أسعار الفائدة لمواجهة التضخم.