نموّ متواضع وتحديات أمام القطاع الخاص

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
سلامة الدرعاوي

أخيراً خرج الاقتصاد الوطنيّ من دائرة الانكماش الاقتصاديّ الذي أصابه العام الماضي، والذي بلغت نسبته 1.6 % وهو الأكبر منذ ما يقارب الثلاثة عقود، وتحديدا منذ أزمة العام 1989 والذي كان الأقسى بتاريخ المملكة الاقتصادي.
نتائج الربع الأول التي أظهرتها الإحصاءات العامة مؤخرا، أشارت إلى نموّ الاقتصاد في الشهور الثلاثة الأولى من هذا العام بنسبة 0.3 % وهي نسب متواضعة للغاية، لكنها أيضا مؤشر مهم على ان الاقتصاد في طريقه الإيجابيّ نحو الخروج من حالة التراجع والانكماش.
السياسات الحكوميّة التي اتبعت في ظل جائحة كورونا والتي أثر الكثير منها على عجز الموازنة والمديونيّة سلباً، إلا أنها تركت أثاراً إيجابية على عدد من القطاعات الإنتاجيّة الرئيسيّة التي واصلت أعمالها رغم الحظر الجزئيّ والشامل في بعض الفترات، لكن العامل الأكثر فاعلية هو بعودة القطاعات الرئيسيّة للعمل منذ بداية العام وبدء عودتها التدريجيّة إلى أنشطتها الطبيعيّة ما قبل كورونا، الأمر الذي أدى مساهمتها التدريجيّة في الناتج المحليّ الإجماليّ، وهذا كان واضحا في مسيرة قطاعات مثل الصناعات الاستخراجية التي حققت أعلى معدّل نموّ خلال هذه الفترة بلغت نسبته 15.3 %، ثم قطاع الزراعة بنسبه بلغت 2.9 %، تلاه قطاع الماليّة والتأمين وخدمات الأعمال بنسبة 2.1 %، ثم قطاع الحكومة بنسبة 1.0 %.
قلنا في السابق ان ما تعرض له الاقتصاد من انكماش كان الأقسى منذ عقود، لكنه ليس الأسوأ ما بين دول العالم المختلفة، فالإجراءات الحكوميّة المختلفة لامتصاص تداعيات كورونا والتي أشعلت جدلا في المجتمع لغاية يومنا هذا تركت أثاراً إيجابيّة في الحد من تفاقم المشكلة الاقتصاديّة والاجتماعيّة في المشهد العام للبلاد، ويمكن أن يرجع جزء من هذا التأثير المعتدل إلى حزم التحفيز الماليّة والنقدية الكبيرة التي ضختها الحكومة والموجّهة لدعم الأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً، بإجمالي حوالي 10.5 % من إجمالي الناتج المحلي، وكان للانخفاض الحاد في تكلفة واردات النفط أثره الكبير على تعويض الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الأردنيّ أثناء هذه الأزمة، وانعكس على نتائج النموّ للقطاعات المرتبطة بالدعم الرعاية الحكوميّة، فالتراجع أصاب القطاعات بشكل كبير لكنه لم يصبها بالشلل التام كما كان يعتقد البعض، حيث أظهرت الإحصاءات العامة أن قطاع الخدمات الاجتماعيّة والشخصية سجل أعلى تراجعا بلغت نسبته – 3.0 %، ثم قطاع النقل والتخزين والاتصالات بنسبة – 2.3 %، ثم قطاع الإنشاءات تراجع بنسبة – 18 %.
عودة الاقتصاد الوطنيّ للنموّ الطبيعيّ والوصول الى النسب المقدّرة في موازنة العام 2021 والتي قدرت النموّ بحوالي 2.5 % مناطة هذه المرّة بعودة القطاع الخاص للعمل بشكل طبيعي إلى ما كان عليه قبل كورونا، وهذا لا يكون أبداً بالسياسة الراهنة المتبعة مع القطاع الخاص، وإنّما يكون ببرامج حماية تحفيزية شاملة لأنشطته تمكّنه من توسعة أعماله وخلق فرص جديدة لآلاف المتعطلين عن العمل.
تحديات القطاع الخاص كبيرة للغاية منها ما هو داخلي متعلق بيئة الأعمال والجهاز الإداري والتشريعات والتعقيدات البيروقراطية التي تظهر في وجه معاملاته اليومية من جهة، ومنها ما هو خارجي متعلق بالمنافسة غير العادلة التي تواجهه في دول مختلفة مما يتطلب مراجعة الاتفاقيات التجارية الحرة وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل وتخفيض كلف الإنتاج وتطوير خطة تحفيزية مبنية علي التشاركية بين القطاعين.
ضرر كورونا عميق على الاقتصاد الوطنيّ ولا يمكن الخروج لمرحة التعافي بين ليلة وضحاها، فهناك نموّ منخفض ومعدّلات بطالة عالية وارتفاع تكاليف الأمن المعيشي التي بدأت تظهر من اشهر قليلة، مع تداعيات سلبية كبيرة للازمة بشكل خاص على قطاع الخدمات وإيرادات السفر والسياحة، والتي ساهمت جميعها بانكماش الاقتصاد في المملكة بنسبة 1.6 % في العام 2020.
نعم العودة للنموّ الإيجابي خطوة مهمة لكنها لا تكفي لمواجهة التحديات الكبيرة التي تحيط بالاقتصاد، الأمر يحتاج لثورة تحفيزية استثنائية يقودها القطاع الخاص، فالقطاع العام لم يعد قادرا على المساهمة بأية قيمة مضافة جديدة في الناتج المحلي الإجماليّ.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences