الجائزة الكبرى في كان للإيراني أصغر فرهادي

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
للمرة الثانية منذ تأسيسه عام 1946، يمنح مهرجان كان السينمائي سعفته الذهبية لمخرجة، وهي الفرنسية جوليا كورنو، وذلك عن فيلمها السريالي «تيتان»، الذي وصفه رواد المهرجان بأكثر أفلام الدورة غرابة.
يفتتح الفيلم بتعرّض طفلة لحادث سير يسفر عن غرس شرائح معدن التيتان في جمجمتها. وعندما نلتقي بها كشابة، نجدها مزيجاً من صلابة المعدن وهشاشة الفتاة غير الإجتماعية، تقتل كل من تعاشرهم من البشر، وتمارس الجنس مع السيارات. وعندما تكتشف الشرطة ارتكابها جريمة بشعة، تهرب من بيتها وتنتحل شخصية فتى مفقود وتنتقل للعيش مع والده، قائد الإطفائية، الذي يغمرها بمحبته. وتدريجيا تشعر بالراحة والطمئنينة معه، بينما تحاول أن تخفي سرها.
أما الجائزة الكبرى فقد منحت للمخرج الإيراني الحائز على جائزتَي «أوسكار»، أصغر فرهادي، عن فيلمه «بطل»، الذي يحكي قصة سجين يعيد حقيبة مليئة بالذهب، كانت قد وجدتها زوجته، لصاحبتها بدلاً من تسديد ديونه، التي أسفرت عن سجنه، فيصبح بطلاً في عيون سجانيه والناس. لكن تدريجياً تنقلب الأمور عليه عندما تتفشى شائعة على مواقع التواصل الاجتماعي تتهمه بالكذب والاحتيال.
وتقاسم الجائزة معه الفنلندي يوهو كوسمانن عن فيلم «المقصورة رقم ستة»، التي يتمحور حول طالبة فنلندية تنطلق في رحلة قطار من موسكو إلى القطب الشمالي، وتعلق مع مسافر مزعج في مقصورتها.
كما تشاطر جائزة الحكام التايواني أبيشاتبونج ويراسيتاكول عن فيلمه ميموريا والإسرائيلي ناداف لفيد، عن فيلمه «الركبة»، الذي ينتقد بشدة سياسات الحكومة الإسرائيلية.
ورغم الانتقاد اللاذع الذي واجهه فيلمه الافتتاحي «أنيت»، فاز الفرنسي لوس كاراكس بجائزة أفضل مخرج. بينما نال الياباني ريوسوكي هاماجوتشي جائزة أفضل سيناريو عن فيلم «قُد سيارتي».
أما جائزة أفضل ممثل فذهبت لبطل الفيلم الأسترالي نيترام، كاليب لاندري، بينما اقتنصت النرويجية رينيت رينسف جائزة أفضل ممثلة عن أدائها في «أسوأ شخص في العالم».
مخرجة أخرى فازت أيضاً بمنافسة نظرة ما وهي الروسية كيرا كوفالينكو «فتح القبضات»، الذي يتابع شابة تكافح للهروب من قبضة والدها المتسلط. بينما فاز فيلم الفرنسية التونسية حفظية هيرسي، «أم جيدة» بجائزة طاقم التمثيل.

صعود لأعمال ومخرجين عرب

ما ميزَ أفلام هذا العام هو أن معظم شخصياتها، وكثير منها هم نساء، تعيش أزمة هوية: وطنية أو عرقية أو جنسية أو دينية. فتتمرد على محيطها الاجتماعي، الذي فرض عليها هوية لا تتوافق مع إحساسها بنفسها وأفكارها ونظرتها للعالم، وتنطلق بحثاً عن هوية جديدة تمنحها الثقة بنفسها والسعادة وتساهم في تحقيقها ذاتها.
أزمة الهوية كانت أيضاً محور الفيلم العربي الوحيد الذي شارك في منافسات المهرجان الرسمية وهو «علي صوتك»، لنبيل عيوش، ومن بطولة مغني الهيب هوب أنس.
استلهم عيوش الفيلم من تجارب أعضاء مركز فني أسسه في حارة سيدي ميمون. ويمزج الطرح الوثائقي بالروائي ليروي قصة فرقة هيب هوب بقيادة أنس، يستخدم أعضاؤها هذا النوع من الموسيقى للتعبير عن أنفسهم، وتحدي القيود الاجتماعية والدينية والسياسية التي تفرض عليهم هوية لا تتطابق مع نظرتهم للحياة أو مع أفكارهم المعاصرة، ما يخلق صداماً بينهم وبين أهاليهم الخائفين من رد فعل السلطات على أغاني أبنائهم الثورية من جهة، ومع مجتمعهم المحافظ، الذي يعتبر الغناء والرقص خطيئة، يرفضها الإسلام.
كل الأفلام العربية المشاركة الأخرى عرضت في فعاليات المهرجانات الموازية مثل «أسبوع النقاد»، وقد فاز بجائزتها الكبرى فيلم المخرج المصري عمر الزهيري، «ريش» ليصبح أول مصري يفوز بها.
«ريش» يحكي قصة ربة منزل فقيرة، يدخل زوجها المتسلط صندوق ساحر خلال حفل عيد ميلاد ابنهما ويتحول إلى دجاجة. فتضطر للخروج من بيتها لأول مرة ومواجهة العالم الخارجي ومفترسيه من الرجال لإعادة زوجها وإيجاد لقمة العيش لأطفالها.
الفيلم فريد من نوعه إذ يبتعد عن الميلودراما التي كثيراً ما تعتمد عليها الأفلام المصرية، وبالكاد تعبر بطلته عن مشاعرها بالحوار أو حتى بملامح وجهها، فلا تبدو كشريكة في أحداث الفيلم السريالية الغريبة الممزوجة بالواقعية المأساوية، وحسب بل كشاهدة عليها مثلنا، ما يعزز من تماهينا معها ويخلق الكوميديا العبثية التي كثيراً ما استخدمها المخرج الفلسطيني إيليا سليمان في أفلامه.

الهجرة تطغى على الأعمال العربية

وقد اختتمت فئة «أسبوع النقاد» عروضها بفيلم التونسية ليلى أبو زيد، «مجنون فرح»، الذي يسبر أزمة الهوية الحضارية والثقافية التي يعيشها أبناء المهاجرين العرب في المهجر ودور أهاليهم في تلك الأزمة، من خلال طرح قصة علاقة عاطفية بين طالبي الأدب العربي في جامعة السوربون في باريس وهما فرح: تونسية متحررة وفخورة بالأدب العربي وأحمد، فرنسي ابن عائلة جزائرية، لا يعرف الحضارة العربية ولا يتحدث لغتها، لكنه محافظ متزمت، يرفض كل ما يخالف التقاليد العربية والتعاليم الإسلامية. وبعد أن تعرّفه فرح على جماليات الأدب والثقافة العربية يثور فضوله واهتمامه بها.
وفي حديث مع أبو زيد، قالت لي إن غايتها كانت تصحيح الرأي السائد بأن شباب العالم العربي أكثر رجعية من شباب العرب المهاجرين. «العكس هو الصحيح»، تضيف أبو زيد. «الشباب العرب في المهجر يعرفون عن الثقافة العربية من خلال ما سمعوا عنه في الإعلام الغربي وهو طرح مزيف وغير صحيح، فيتشبثون به ويصبحون أكثر تمسكاً بالدين والتقاليد العربية دون فهمها على حقيقتها.»
وفي فئة أسبوعي المخرجين، عرض فيلمان عربيان. الأول فيلم اللبناني إيلي داغر، «البحر أمامكم»، الذي يسبر هجرة الأجيال الشابة في لبنان إلى أوروبا أملاً في مستقبل أفضل، ويكتشفون أن المهجر ليس الحل من خلال طرح قصة فتاة لبنانية تعود من فرنسا فتشعر بالفراغ في بلدها التي تبدو فارغة بسبب الانهيار الاقتصادي، فتحاول أن تملأ الفراغ في حياتها من خلال إحياء علاقة رومانسية سابقة، لكن من دون جدوى.
الهجرة الى أوروبا كانت أيضاً موضوع فيلم الإيطالي – العراقي حيدر رشيد، «أوروبا»، الذي يحكي قصة لاجئ عراقي يُهرّب مع مجموعة من اللاجئين من تركيا إلى بلغاريا، حيث يقابله حراس الحدود بالنار والعصي، فيهرب إلى داخل غابة، وهناك يلاحقه صيادو اللاجئين، الذين يقتلون كل من يمسكونهم ويسرقون ممتلكاتهم.
«أوروبا» يتميز باستخدامه أسلوب سينما الرعب لطرح وحشية السلطات الأوروبية تجاه اللاجئين، حيث تتبع عدسة الكاميرا وجه بطله وتلتقط كل ملامح خوفه، مستحضراً أفلاماً هوليوودية مثل «غيت أوت»، الذي استخدم الرعب لسبر العنصرية في الولايات المتحدة. لهذا ليس عجباً أن الفيلم أثار اهتمام رواد المهرجان ولقي استحسان النقاد.
لكن جائزة هذه الفئة ذهبت للمرة الثانية للإيطالي جوناس كاربيغنانو «شيارا» الذي يحكي قصة فتاة في السادسة عشرة تدرك تدريجياً أن والدها عضو في عصابة اجرام محلية.
نجاح مهرجان كان في ترتيب دورة غنية بالتحف السينمائية العالمية وجذب نجومها الى بساطه الأحمر يعتبر انتصارا للسينما على فيروس كورونا إذ ترك صدى قوياً على صناعة الأفلام وبث فيها روح حياة جديدة. فقد قامت شركات التوزيع بشراء معظم الأفلام المشاركة لعرضها في دور السينما العالمية، بينما عُقدت العديد من صفقات إنتاج أفلام في المستقبل القريب.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences