الأردن «المتغير» بعد زيارة الملك عبد الله لواشنطن ..

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
عمان – «القدس العربي» :
بسام البدارين 
 نزع فتيل ما يسمى بالمعارضة الخارجية في الأردن بطريقة فيها الكثير من الدهاء والحكمة، خطوة تعني بأن البلاد تستعد داخلياً على الأقل لتجاوز مرحلة ما بعد الفتنة وصدمتها، خصوصاً أن تلك الفتنة اكتسبت شهرة كبيرة وأسست لخطاب إعلامي دولي يتابع الملفات والمفاصل والقضايا الحساسة في الأردن خلافاً للعادة.
لسبب أو لآخر، يعتقد اليوم بأن الأردن تحت الأضواء المكشوفة، ليس للشعب الأردني فقط لكن للدول الصديقة والحليفة، التي تجد نفسها معنية بإعادة إنتاج دعم وإسناد الدور الأردني الإقليمي في سياق معادلة أصبحت مفتوحة على كل الاحتمالات.
هنا ينوع الأردن في اتصالاته، ويقيم توازناته بصورة تنسجم حصرياً مع مصالح الدولة والأردنيين العليا.. هذا ما فهمته «القدس العربي» من نقاش تفصلي وعميق مع رئيس الوزراء في وقت سابق الدكتور بشر الخصاونة، تحت عنوان معيار المصالح في كيفية إدارة الأمور على المستوى الأردني.

زيارة مهمة

الأردن عملياً، بعد عودة الملك عبد الله الثاني من زيارة مهمة ووصفت بأنها تاريخية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لم يعد نفس الأردن الذي سبق هذه الزيارة، على الأقل من حيث الشكل.
اليوم، التفاصيل مزدحمة وكثيرة، وتنفيس مسألة المعارضة الخارجية بطريقة ذكية يدفع الأمور في اتجاه حسابات أكثر توازناً وعقلانية في المرحلة اللاحقة.
ثمة في الأفق الأردني المحلي اليوم رهان ينمو ويتزايد على ما يمكن أن تؤسس له من مخرجات، سقفها الزمني عشر سنوات، اللجنة الملكية؛ لتحديث المنظومة السياسية بعد فترات عصيبة عايشتها اللجنة من قبل الشغب والمناكفة في الاتجاهات المضادة لها.
البرنامج المعلن سمعته «القدس العربي» ثلاث مرات على الأقل في نهاية أعمال اللجنة، من فم رئيسها المخضرم سمير الرفاعي، ويقضي بأن تصل الأمور في النهاية بعد سلسلة تقييمات وتوصيات وتعديلات تشريعية إلى صيغة لبرلمان حزبي تسمح به حكومات الأغلبية البرلمانية. ذلك حتى الآن يبقى مجرد طموح، وقد سجل نائب رئيس لجنة تحديث المنظومة، وهو وزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة، كرة في سلة غامضة عندما صرح قبل يومين بعدم وجود شيء نهائي حتى الآن وحاسم وقاطع بخصوص قانوني الانتخابات والأحزاب.
وقال ذلك رغم أنه تغيب عملياً عن معظم الاجتماعات المعنية بالعصف الذهني، وإن بقي في المتابعة بحكم خبرته العميقة في الواقع المحلي على أكثر من صعيد؛ فهو نائب وعضو في مجلس الأعيان ووزير سابق لعدة مرات، وعندما يتحدث عن عدم وجود شيء نهائي وقطعي لا بد من التوقف والتأمل.

لم تعد سراً

في كل حال، النهايات المتعلقة ببرلمان حزبي وحكومات أغلبية برلمانيه لم تعد سراً أنها تشكل رافعة منسقة برعاية وتوقيع ولي العهد الشاب الأمير حسين بن عبد الله، الذي شارك والدَه مؤخراً في زيارة مهمة للولايات المتحدة الأمريكية.
في الأثناء، يبدو أن الجيوسياسي الأردني يلعب وبقوة، فالعلاقات الأردنية اليوم أفضل بكثير مع كل من مصر والعراق، وحجم تداول المعطيات والمعلومات لا بل المشاورات بين الأردن والنظام السوري أكبر من أي وقت مضى منذ 2011، والأردن أعاد فتح معبر جابر الحدودي مؤخراً لحركة الشاحنات بعد ما أغلقه مؤقتاً بسبب تطورات الأحداث في درعا المجاورة.
العلاقات الأردنية الإسرائيلية يبدو أنها أفضل اليوم بحكم الاتصالات وتبادل المجاملات مع حكومة اليمين الإسرائيلي الحالية غير المستقرة، وعمان في حالة ترقب استثنائية للمشهد الداخلي الإسرائيلي حتى تستقر بقية المعطيات، والعلاقات أصبحت بمثابة الراعي وفي إطار تبادلي للمشورة مع السلطة الوطنية الفلسطينية والرئيس محمود عباس.
وخلافاً للتموقع الجيوسياسي الأسبق، يفترض بأن الأردن في طريقه إلى التحول إلى لاعب مفصلي وأساسي في تلك القضايا الحساسة التي تهم الضفة الغربية والسلطة، وحتى تهم أو تنشغل بها عدة دول حليفة بعنوان الوضع الفلسطيني الداخلي في مرحلة ما بعد الرئيس عباس، وعمان هنا تكثر من التنسيق والتعاون مع الجانب المصري في هذا السياق.
بمعنى أو بآخر، الأردن يتغير، والكثير من المعطيات تغيرت، والبلاد في حالة جاهزية للحفاظ على الاحتكام للدستور، والمسار الدستوري خصوصاً في مسألة نمو مؤسسة ولاية العهد ودور ولي العهد تحديداً في إظهار الاستقرار العام وإرسال رسائل في سياق الاستقرار في جميع الأطراف في الخارج والداخل، خصوصا بعد ملف الفتنة وبعد الاستثمار في تنفيس وتفريغ مضمون ما يسمى بالبث الخاص بالمعارضة الخارجية.
ما يبقى في الأردن المتغير اليوم هو الملف الاقتصادي الصعب، خصوصاً أن الملف الصحي المتعلق بالاشتباك مع الفيروس كورونا يبدو أنه ذهب في إطار تراتبية بيروقراطية متقنة وضمن خطط ومشاريع تنطوي على كل إمكانات المناورة المطلوبة بقيادة وزير الصحة الحالي الدكتور فراس الهواري.

الملف الاقتصادي

الملف الاقتصادي هو الأساس، ووزير المالية الدكتور محمد العسعس تحدث بوضوح أمام «القدس العربي» مرات عدة عن ضرورة الانتباه والعمل في اتجاه وصفات وطنية للإصلاح الاقتصادي والمالي، وبطريقة هيكلية. والانطباع العام، أن وجود قواعد عسكرية أمريكية دائمة في الأرض الأردنية وما ينتج عن هذا الوجود من تفاعلات مالية واقتصادية، هي من الخطوات التي ينبغي أن ترسم -بناء عليها- توقعات إيجابية تحت عنوان التنويع، رغم عدم وضوح الخطة التي ينبغي أن تتقدم فيها الحكومة على الصعيد الاقتصادي، والاستثماري تحديداً.
لم يعرف بعد ما إذا كان الاتفاق الأمني الجديد بين الأردن والولايات المتحدة، والذي يسمح بإقامة قواعد ونقل قوات أمريكية عريضة وكبيرة من المنطقة إلى الأرض الأردنية، وما زال مجهولاً ما إذا كان ذلك يؤدي إلى مساعدة الأردن في الأزمة الاقتصادية والمالية.
لكن ما لمسه المراقبون مؤخراً بأن الكونغرس مرر حزمة المساعدات السنوية وبمقدار مليار و600 مليون دولار مباشرة بعد مغادرة الملك عبد الله لواشنطن مؤخراً. تلك كانت أيضاً رسالة تعبر عن ضمانة أمريكية لأزمات الاقتصاد الأردني، وتعبر – وهذا الأهم – عن العمق الجيوسياسي الجديد للحالة الأردنية، الذي يتطلب الكثير من التغييرات في الملف المحلي.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences