دماء مغربية جزائري وفي تونس ..
الشريط الإخباري :
خارج الحسابات السياسية الظرفية، تربط الفنانين الجزائريين بزملائهم المغاربة علاقة وطيدة في مجالات المسرح والسينما والغناء والتشكيل وغيرها.
ويتذكر عشاق أب الفنون في المغرب، أن المخرج الجزائري الراحل عبد القادر علولة كان ضيفا عزيزا حينما يحلّ في مدينة مغربية ما، وكذلك الشأن بالنسبة للفنان الراحل محمد بن قطاف والمخرج عيسى مولفرعة وغيرهم.
كما لا ينسى الجمهور المغربي الفنانة الراحلة سكينة مكيو (الشهيرة بصونيا) التي نظّمت جولة بمسرحيتها المونودرامية «فاطمة» في عدد من المدن المغربية، ولاقت إقبالا كبيرا.
طبعًا، لن نتحدث عن إعجاب طائفة كبيرة من الجمهور المغربي بعدد من نجوم الغناء الجزائري، كالشاب حسني والشاب عقيل والشاب بلال والشاب خالد والشابة الزهوانية والمطربة فلّة… لكننا نتوقف عند حالة فريدة من تمازج الدم لدى بعض النجوم المغاربة، كشف عنها الإعلاميُّ والناقد السينمائي بلال مرميد في برنامجه «إف بي إم» على قناة «ميدي 1 تي في»؛ يتعلق الأمر بالممثل الفنان عبد الله شيشة، فهو من أب جزائري وأم مغربية، أبوه كان منتسبا إلى الخلايا السرية للثورة الجزائرية، ومعلوم أن المغرب عُرف بدعمه لهذه الثورة؛ وتلك قصة أخرى لا ينكرها إلا جاحد.
قدّم الممثل عبد الله شيشة إضاءات على جوانب من السيرة الذاتية، حيث ذكر أن والده اعتُقل في بلجيكا، وكانت هذه الأخيرة تعتزم تسليمه إلى السلطات الفرنسية، لكنْ بما أنه كان يمتلك جواز سفر مغربيا (خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر) حكم عليه القاضي بالترحيل نحو المغرب. فجاء إلى هذا البلد لأول مرة، وبقي فيه، ثم تزوّج متأخرا من مغربية، وكان يعتزم العودة الى الجزائر بعد استقلالها، لكن لم يحصل ذلك، وظلّ في الدار البيضاء حتى أواسط السبعينيات، حيث راودته مجددا فكرة السفر الى الجزائر لا سيما بعدما تدهورت صحته، وكان أمله أن يُدفن في أرض أجداده، فاستقروا في مدينة بسكرة مسقط رأسه. أما ابنه الممثل عبد الله شيشة، فقد تملكه الحنين للرجوع إلى الدار البيضاء التي ولد فيها، وذلك ما حصل فعلاً. غير أن صورة الوالد الجزائري ما زالت لصيقة إلى اليوم بذاكرته ومشاعره.
ليست حالة الممثل عبد الله شيشة سوى نموذج لحالات عديدة لمواطنين انصهرت فيهم دماء البلدين الجارين، وضمنهم مشاهير في مجالات الفن والرياضة والإعلام، إذ تجد الأب جزائريا والأم مغربية، أو العكس. لكنّ ظروفا سياسية حاولت أن تعكّر هذا الصفاء والتمازج الموجود بين شعبين، ما يوحّد بينهما من عوامل أكثر وأقوى مما قد يُفرّق.
لذلك، حينما مَدَّ المغرب يده إلى الجزائر من أجل طيّ صفحة الخلافات، وفتح الحدود البرية المغلقة، فإنما جاء ذلك ليعكس هذه المعاني النبيلة التي يُفترض أن تجد صداها المأمول لدى القادة الجزائريين، بتغليب القواسم المشتركة على الحسابات الظرفية.
وحينما بادر المغرب أيضا إلى عرض مساعدات من أجل التخفيف من معاناة بلدات جزائرية، نتيجة الحرائق التي اندلعت مؤخرا، فإن هذه المبادرة ينبغي أن تُقرَأ بخلفية إنسانية محضة، بمنأى عن أي اعتبار أو تأويل مُغرض. الزمن زمن التعاون والتآزر، وليس زمن العداوة والبغضاء.
رئيس «ضد التطبيع» يستقبل مُطبّعين!
وفي تونس، أقام الرئيس قيس سعيد الدنيا ولم يقعدها، وفعل في الناس ما لم تفعله الجائحة. فبعد أكثر من 15 يوما من إقالته المفاجئة لرئيسي البرلمان والحكومة، ما زال الناس يتساءلون: هل ما فعله هذا الرجل المهووس بالفصاحة والبلاغة «إجراءات استثنائية» كما يقول هو نفسه، أم «انقلاب صريح على الدستور وعلى المؤسسات» كما يردد آخرون؟
قضية أثارها الإعلاميُّ التونسي صالح الأزرق، المقيم في لندن، عبر برنامج «الرأي الحر» على قناة «الحوار» إذ بدأ إحدى حلقاته الأخيرة بلاءات ثلاث: «لا حكومة بعد، لا حوار بعد، لا وجود لرؤية واضحة». وفي رأيه، الكل يبدو تائها، النخبة تائهة، ومن قام بتلك الإجراءات تائه لا يدري أين يتجه، ولا أحد يريد أن يتقدم للمسؤولية حتى لا يصير لعبة بيد هذا الرجل الذي يصفه البعض بكونه مهووسا بالسلطة.
الرئيس قال إنه لن يتحاور مع من أسماهم اللصوص والفاسدين، لكنه جلس مع الخونة والمطبّعين مع الكيان الصهيوني، كما يقول بعض النشطاء. ويلاحظ صالح الأزرق أن سعيّد يرفض الحوار مع الأحزاب ومكونات المجتمع المدني مُتخذا ذرائع شتى. وعلّق نشطاء: الرئيس الذي رفع شعار «التطبيع خيانة» يرفض الحوار مع الأحزاب التونسية، بذريعة اللصوصية، ويلتقي المطبّعين مع الاحتلال، ويثني عليهم، ويعطي أيضا التعهدات للمستعمر السابق، فرنسا، بشأن خريطة الطريق المقبلة.
وبعدما علّق صاحب «الرأي الحر» ساخرًا: «هو رئيس بالفعل ضد التطبيع!» خاطب مواطنيه التونسيين بحرقة وحماس: «هناك مؤامرات داخلية وخارجية ضد البلد ومكاسبه، أيها التونسيون، فإما أن تنقذوا بلدكم وتتحكموا في مسار السفينة، وإلا ستقودها الأمواج العاتية المتآمرة إلى الهاوية لا قدر الله. لا حلّ إلا الحوار الصريح والصادق مع الجميع، بدون إقصاء، وإلا ستعضون أصابعكم!»
سعد المجرد وعقدة اللسان المصري!
لماذا كلما استضافت قناة تلفزيونية مصرية مطربة أو مطربا من المغرب تجده أو تجدها يلوي لسانه، ويصير يتحدث باللهجة المصرية؟
أهو إحساس بعقدة نقص تجاه اللهجة المغربية؟ وفي المقابل شعور بتفوق اللهجة المصرية واكتساحها العالم العربي؟ أم مجرد رغبة في تيسير الفهم بالنسبة للصحافي المستجوِب ولجمهور القناة من أبناء أرض الكنانة؟
يمكن للفنان المغربي أن يتحدث بلهجته الأم، مع محاولة لتبسيطها، وآنذاك سيبذل الطرف الآخر بعض الجهد لكي يفهمها. فقد اكتسحت اللهجة المغربية الأغاني العربية منذ زمن طويل، وأصبح فنانون ومعجبون يرددونها في أكثر من مناسبة، بل هناك في الشرق العربي مَن مدّ يده إلى أغان مغربية تراثية، واعتبرها جزءًا من إبداعه الخاص. في هذا، إذن، اعتراف بمكانة لهجة المغرب وبقوتها وثرائها الإبداعي.
أشفقتُ على المطرب المغربي سعد المجرد وهو يصارع الكلمات لكي يتحدث بلسان مصري عند استضافته عبر الهاتف في القناة الأولى المصرية. فماذا عليه لو تحدث بلهجته؟ خاصة وأن تلك القناة هي التي طلبته، وهي التي كانت في حاجة إلى محاورته و»ملء» برنامجها باستضافته كاسم له وزن في الساحة الغنائية العربية، حتى وإن اختلفنا في تقييم صوته وفنه.
ومن سوء حظ المجرد، أن لعنة «تهمة الاغتصاب» تطارده أينما حل وارتحل. فكان طبيعيا أن يسأله الإعلاميّ يوسف الحسيني حول الموضوع، مما أحرجه، طالبا التمييز بين الحياة الشخصية لأي فنان وبين تجربته الفنية. حتى وإن حاول تجاهل الموضوع، وطلب من الإعلاميّ إيقاف الحديث فيه، فإن ذلك لا يغطّي على حقيقة أن وسم «مغتصب» الذي نشره نشطاء مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي، العام الماضي، كان سببًا في إلغاء حفلته التي كانت مقررة في القاهرة، ولم ينفعه تنكره للهجة المغربية وحديثه بالمصرية!
الطاهر الطويل
كاتب من المغرب