نور الدين بن إسماعيل درس في التسامح الجزائري
الشريط الإخباري :
بعد حرائق الغابات والبشر، والمشهد المروع للشهيد جمال بن إسماعيل، ما زالت الأخبار تروج على مواقع التواصل الاجتماعي بغثها، ونادرا ما يأتي سمينها.
يصاب المتتبع للأحداث في الجزائر بالدوار والغثيان لكم المعلومات، التي تنشر على منصات التواصل الاجتماعي وتتم مشاركتها كل لحظة.
يكفي أن تلملم الأسر وجعها بعد دفن ضحاياها المحروقين، الذين أتلفت هوياتهم لولا الطب الشرعي. يكفي أن تخمد نيران الجبل والغابات الخضراء، التي أصبحت هشيما، فلا حاجة لإشعال نيران الأحقاد والضغائن وتقسيم البلاد. أيمكن أن نفصل الرأس عن الجسد ونبقى أحياء؟
ألم نتعظ من حكمة «عمي نور الدين» والد جمال «مانديلا الجزائر» الذي اختار الوطن بكل أطيافه وداس على قلبه النازف؟ وحتى هو لحقته الإشاعات عبر منصات لا تتحرى الصدق، فقط تهرول في النشر والمشاركة، حيث تداولت هذه المنصات وبعض المواقع، خبر منح منظمة الرابطة الافريقية للحقوق الإنسانية والإقتصادية والثقافية جائزة نيلسون مانديلا للسلام والتعايش في 2021. لكن الأمر غير حقيقي، حسب الإعلامي مولود صياد، الذي كتب على صفحته على فيسبوك، أن «كتابة اسم المنظمة عبر محركات البحث يحيلك مباشرة إلى اللجنة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب وهي لجنة تابعة للإتحاد الأفريقي ولا وجود في موقعها لخبر كهذا».
ثم يضيف: «جائزة مانديلا تمنحها الأمم المتحدة حصرا وكل خمس سنوات، منحت أول مرة سنة 2015 وثاني مرة سنة 2020، ثم الاحتفال بيوم نيلسون مانديلا يكون يوم 18 يوليو/تموز المصادف ليوم ميلاده.
لا وجود لجائزة باسم نيلسون مانديلا للسلام والتعايش، بل هناك جائزة مانديلا مباشرة، ثم اختيار الفائز بها يتم عبر الترشيحات والتصفيات تماما، مثل جائزة نوبل».
قبل أن تكرم منظمات دولية هذا السيد المحترم الإنسان، على المسؤولين رد الإعتبار له في تلك الحادثة المهينة، التي كان بطلها والي عين الدفلى، عندما زاره لجبر خاطره، ولنقل تعازي رئيس الجمهورية، لكنه تصرف بشكل مخز، فيه الكثير من التعالي واللا إنسانية، وكأنه أمام شخص موبوء وليس أبا مكلوما!
هل ما زال هذا الوالي في منصبه، بعد الفيديو الذي انتشر في كل المواقع والمنصات بعد تلك الفعلة المشينة؟
الجزائريون ينتظرون بفارغ الصبر معرفة مصير هذا الوالي؟
ولأنه لا يحك جلدك إلا ظفرك، ففي «مليانة» مسقط رأس الشهيد جمال، تم رسم جدارية ضخمة له، والذي حضر افتتاحها جمع غفير من رجال ونساء «مليانة» وبحضور والد الضحية وأخوته.
لم يتمالك الوالد وأخوته أنفسهم فبكوا، ربما لأول مرة أمام الصورة. بكوا تحت زغاريد النساء وهتافات الحاضرين: «لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله». الفيديو مؤثر وتقشعر له الأبدان.
هموم الزاوي… في العربية
لا يمكن لمقال من مقالات الكاتب الجزائري أمين الزاوي في الفترة الأخيرة أن تمر مرور الكرام، لأنها بكل بساطة استفزازية، لا سيما عندما يختار التوقيت غير المناسب ليعبر عن أفكاره من منطلق حرية التعبير.
آخر مقالاته «العربي الذي يعرف كل شيء» الذي نشر في جريدة «ليبرتي» بالفرنسية: «أنا عربي وأعرف كل شيء». حيث بلور فكرته أو استقاها من أغنية «راي» مطلعها « أنا ندبر راسي… عربي ونعرف كلشي». تحت عبارة: «أنا عربي ونعرف كل شي» أسقط الكثير من الأفكار العامة الشائعة بين الجزائريين، والتي لا ترقى في الكثير من الأحيان إلى رؤية متنورة منطقية. لكن يبدو أن للزاوي مشكلا وجوديا مع العربية، التي لم تسلم منه في مقالات سابقة، والذي اعتبرها «لغة كهنوتية، بسبب حمولة الدين الايديولوجي» وكان قد حكم على فشل اللغة العربية في الجزائر بعد 50 سنة من انتهاج سياسة التعريب، وأكد من خلال منشور سابق له على حسابه الخاص في فيسبوك أن «أبناء تامزغة» سيبدعون أجمل النصوص الأدبية باللغة الأم الأمازيغية» (حسب موقع جريدة الحوار) وأن «العربية لا يمكن حتى كتابة وصفة دواء بها»!
المقال رد عليه العديد من الكتاب والأدباء والمثقفين، وأثار جدلا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بين الردود التي كتبت ردا على الزاوي، رد الأستاذ الأديب والمترجم سعيد بوطاجين، الذي كتب على صفحته الرسمية على الفيسبوك ما يلي: «السيد أمين الزاوي، صديقا وكاتبا وأكاديميا، تحياتي لك من هذا الوطن المنكوب الذي خذله الجميع، بما في ذلك نخبته التي أصبحت محنته. أنا السعيد بوطاجين الكتامي، الذي لا ناقة له ولا جمل في هذه الدنيا، ما عدا الانتماء للوطن، وللأرض والإنسان الكبير في الكون».
ثم يضيف: «أعلمك صديقي أن هناك من يتحدث عنك بسوء لأنك تكتب عنه بسوء، لكن المجاملات غطت على الحقيقة. الناس تتساءل عن أسباب كراهيتك الشديدة للإسلام والعربية والعرب والمعربين والتقاليد في كتاباتك الصحافية والأدبية الساخرة، وعن تحيزك الفادح. أنا أيضا معني بهذه الإهانات كمعربي، وكأمازيغي الأصل، لا يحب أن يشتم أو يهان، من عائلة لا تعرف الفرنسية، لأنها درست في الكتاتيب، لكنها حاربت الإستعمار وتصدقت على البلد بعدة شهداء دفنوا في مقبرة مستقلة، وهي تشعر أنك تذلها، عندما أشرح لها ما تكتبه»!؟
لا يوجد في رد الأستاذ بوطاجين تجريحا ولا إهانة للكاتب أمين الزاوي، لكنه رد منسجم مؤسس من أكاديمي، عوض انفعالات الشارع ورؤية العامة من الناس، التي أسس بها الزاوي مقاله عن العربي، الذي يعرف كل شيء.
ويقول بوطاجين لصديقه الزاوي: «هناك سياقات تاريخية تدفعنا إلى تحكيم العقل كشبه نخبة، وأشباه جامعيين منسحبين أو متواطئين مع الشر الأعظم الذي يهدد الإنسان فينا، ويهدد البسطاء الذين يحبون البلد بأرواحهم المضيئة، بعيدا عن حسابات السياسيين والمثقفين المهزوزين والجامعيين والمنتفعين من الصمت، ومن العنصرية كآلة للهدم والتفرقة.
وفي الأخير يقول بوطاجين: «أنا أدافع عن حريتك بحب، بلا مزية، عن التعددية، عن الاختلاف، عن العقل، فحاول أن تحترم خياراتي ولا تلحق بي ضررا مجانيا، وبهذا الشكل المهين، لقد قرأنا لك كثيرا وسكتنا كثيرا، احتراما لحريتك، لكن الحرية لها حدودها وضوابطها، وإلا غدت اعتداء على الآخر. والسلام عليك وعلى الخيرين في هذا البلد الذي يحتاج إلينا جميعا، دون استثناء أو إقصاء أو تمييز».
سعيد بوطاجين عبر عن رأيه في ما كتبه الزاوي ولم «يؤدبه» كما كتبت بعض المواقع. رد على اتهامات بالجملة وغير مؤسسة استشهدت بمطلع أغنية، فيها ايجابيات كثيرة عن العربي، والتي تقصد بالعربي، العروبي، البدوي وقيم البداوة، وليس العربي لسانا. والفيديو المرافق لهذه الأغنية مهما كان مؤديها كان قد صور بالصحراء دلالة ورمزا عن البداوة والعروبية.
أما الأستاذ نذير طيار، باحث ومتخصص في الرياضيات، وشاعر، ومترجم وإعلامي، فيرد على ما كتبه الزاوي على صفحته الرسمية على الفيسبوك» بعنوان «موقف عملي هادئ»: «الأصدقاء الأعزاء الذين يستهينون بما يكتبه الأمين الزاوي من مقالات عنصرية، وينتقدون الردود العقلانية الكثيرة عليه، واجبهم حاليا، كي يؤسسوا لحوار ثقافي هادئ التحرك وفق ما يلي من مقترحات: الأول: توجيه النصيحة للدكتور الأمين الزاوي أولا، بتبني الخطاب المعتدل الذي كان يمارسه في حصصه في الإذاعة والتلفزيون ويختلف جذريا عن خطابه في صحيفة «ليبرتي».
الثاني: عدم ممارسة سلطة أبوية على الحوار الثقافي، بحصر المرشحين لمناقشة الزاوي في جماعة معينة. فمن حق كل مثقف ملتزم بالضوابط والقيم التي تحكم الحوار أن يناقش الزاوي في أفكاره، حتى المتوازن في أفكاره، الذي يحارب كل أشكال التطرف غير مقبول عند البعض لمناقشة أفكار الزاوي.
المقترح الثالث، الذي اقترحه الأستاذ نذير طيار، وهو وضع قيم وضوابط للحوار الثقافي، تحاصر الخطابات العنصرية، وتضع حدا للتشجيع على الكراهية، يلتزم بها كل المثقفين.
والمقترح الرابع، يتمثل في «التوقف عن تصوير النقاش بوصفه مواجهة بين عقلاني وهائجين، فالتهييج المقصود يحترفه الأمين الزاوي منذ سنوات، وكتابه «زمن العشرية الحمراء» عن ثقافة الدم وعلاقتها بأضحية العيد، لا يمكن إنكاره، وكذلك ربطه بانتشار الكوليرا وعيد الأضحى. فالعقلانيون موجودون في كل المواقع وهم يرفضون التهييج فعلا ورد فعل، يضيف الأستاذ طيار.
أن يكون الإنسان مثقفا هو أن يرضي قلمه وضميره وأخلاقيات مهنته، ولا يكتب الإنسان لإرضاء جماعة ما وأفكار تبرز بين الفينة والأخرى كموضة تنحني أمامها الأقلام الحرة. وعلى المثقف مواجهة مثقف آخر في فضاء واحد، مباشرة أو بواسطة تقنية الزوم أو غيرها من التقنيات المتاحة التي نشارك في اكتشافها معربين كنا أو مفرنسين او أمازيغ.
المثقف رمز للمواجهة وليس ذلك المتخفي بين الحشود. لندعم النقاش ومقولة اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
مريم بوزيد
كاتبة من الجزائر