ابتسامةٌ من نوع آخر
الشريط الإخباري :
د. لانا مامكغ
ابتسم لي بطريقةٍ غامضة يومها، كان متنفّذاً، وكنتُ مندفعة حين قلتُ بحماسة إننا في بدايات الشّتاء، وبانتظارِ أمطار الخير، لكنَّ سهولنا، وغاباتنا القليلة، وأراضينا، مثقلةٌ بالنّفايات من كلّ نوع … اقتراحي هو؛ لماذا لا يتم التّنسيق بين مديريّات التّربية، والبلديات، ووزارة البيئة، إنْ شئتم، لتنظيم حملات نظافة يقوم بها طلبةُ المدراسِ تباعاً في أنحاء المملكة كافّة؟ فالطّقسُ لطيف، ولعلّها فرصةٌ طيّبة لتكريس ثقافةٍ مختلفة لدى الأبناء، ويمكن تنفيذُ المشروع تحت بندٍ تربوي يُسمّى "خدمة مجتمع” مع الأخذ، طبعاً، باحتياطات السّلامة العامّة لهم.
أنهيتُ كلامي دون أن تفارقَه الابتسامةُ الغامضة إيّاها، ولم أفهم، أكانت ابتسامةَ سخرية، أم تفاؤل، أم إعجاب بالاقتراح الحالم، أم هي تعبيرٌ مهذّب عن عجزٍ ليس إلا!
ونسيتُ الموقف، لكن لم أستطع نسيانَ الفكرة، ولا تزالُ تلحُّ مع اقتراب كلِّ خريف، خاصّةً مع تجاربي الأخيرة في السّياحة الدّاخليّة، حين تنقلُ نظرَك من الأفق الجميل … إلى جوانب الطّرق، حيث تجثو أطنانٌ من النّفايات، كذلك هي في البلدات، وعلى جوانب الطّريق الصّحراوي، والمدن كلّها، وفي كلِّ فضاء مفتوح أينما اتّجهت، تذروها الرّياحُ هنا وهناك، لكنّها تبقى جاثمة على رئة هذه الأرض المبتلاة ببعض عشّاق القذارة !
ولعلَّ الثّقافةَ البيئيّة صارت قضيّةً وجوديّة هذه الأيّام مع ما يشهدُه العالم من فيضاناتٍ وجفاف وحرائق غابات، وعليه، ولأنّنا سنترك هذه الأرض تاركين هذا الإرث الأسود لأبنائنا، فحرّيٌّ بنا أنْ نلتفت إلى حلُمٍ آخر يتمثّل في التّشجير … المشروعِ العتيق الذي لم نمضِ باتّجاهه ولا خطوةً واحدة، مع الأخذ بالعلم أنَّ الدّول التي عانت من احتراق غاباتها، قد بدأت تخطّطُ بجدّية لإعادة الحياة إليها، حتى لو استغرق الأمرُ عقوداً طويلة من الزّمن .
هذا في الوقت الذي لم نجد فيه حلاً بعد للاعتداء على الأشجار في فصل الشّتاء … المشكلة الخالدة التي عجزنا عن إيجادٍ حلٍّ لها حتى تاريخه!
لذلك كلّه، يخطرُ لي أن ألتقيَ بمتنفّذِ آخر لأقترحَ عليه ما يلي:
ماذا لو وضعنا قانوناً ينصُّ على زراعة شجرةٍ لكلِّ مولودٍ جديد تُسمّى باسمه، يقوم الأهلُ على تربية الاثنين معاً … أو أن يزرع كلُّ طالبٍ شجرةً باسمه، أتنقصنا المساحات ؟ لا طبعاً … أهي مشكلةُ الجفاف ؟ طبعاً لا، لأنَّ بعضُ الأشجار تتّحمّلُ العيشَ في المُناخات الجافّة .
ولماذا تجلس البلديّاتُ مكتوفةَ الأيدي أمام طوفان النّفايات؟ لماذا لا ننّظم مسابقةً مشجّعة فيما بينها، ثمَّ لتحتفلَ بها وسائلُ الإعلام لاحقاً ؟
وسأنهي اقتراحاتي بفكرة تكريس ما يسمّى " شجرتي صديقتي " خاصّة لدى الصّغار، فصداقةُ الطّفل مع الشّجرة يعني صداقةً مع العطاء، والاخضرار، والشّموخ، وموسيقى العصافير، والتّجدّد، والأوكسجين …
سأخبرُه بذلك كلّه، لعلّه يبتسم … ثمَّ يبادرُ بالعمل !