ذاكرة مكان .. اللويبدة وهذا العبق
الشريط الإخباري :
نبيل عماري
كأنك تحضر فيلمًا من ستينيات القرن الماضي
في عالم الجمال والذي وعيت عليه في طفولتي عندما كنا نزور دار جدي وبيوت اخوالي وخالتي أشتم رائحة الياسمين الدمشقي المعطر بين أرجاء هذا الجبل.
يطربني المنظر الجميل من دار جدي والمطل على وسط عمان وجبالها: الأشرفية وجامع ابو درويش، والقلعة، وجزء من جبل عمان. امشى راجلاً في شوارع الجبل؛ هنا بقالة ابو سامي الدجاني بطبيعتها الإنجليزية، المظهر كأنك تحضر فيلما من ستينيات القرن الماضي من مطربانات السوس والتوفي الإنجليزي وشوكولاتة التوست والويفر الإنجليزي، ومن ثم اقصد دوار الحاووز وقد بلله الشتاء الربيعي والذي هطل البارحة لتخرج رائحة اللزاب والصنوبر من مكامنها، وهنا تجد من يزور حديقة الدوار يستمتع بشمس الربيع الدافئة وهو يدخن ويلف سجاير التتن ويحكي سواليف عن ماض مضى . دوار الحاووز كان يزهو بأول الأسواق التي تسمى المول الآن من محلات بجالي وخلف ومكتبة الجامعة العريقة ومخابز تنتظر العجنات وحلاق بمريوله الأبيض، ولحامين يعرضون لحم الخرفان البلدية وكذا لحمة العجل الرضيع. اتجه غرباً حيث المنتزة وبوظة الأيمة اللذيذة وباستيري فيروز وتسوقني رائحة الفلافل حيث مطعم أبو محجوب، الله على تلك الأيام والشوارع الأليفة والتي كنا نمشي بها ذهاباً وإيابا ولكننا نركض عندما نمر بجانب مركز للأمراض النفسية بسرعة البرق لنصل إلى بيت خال نرقب شجرة الخوج وهيا تنمو لتخرج حباتها الخضراء والتي لم يعرف لونها بسبب جمعها قبل أوان الاستواء وأكلها مع رشات من الملح. ولكن حاكورة احد الأقرباء « فؤاد يوسف عماري « أبو عيسى المجاورة لبيت جدي وأخوالي والذي يعتني بها خير اعتناء من شجرة الأسكادنيا وحتى ثمرات الدراق الوفيرة وتلك الليمونة والتي تعبق في الأرجاء عند إزهارها، وقد كان يعشق الزراعة والحديقة كما عشق الموسيقى عندما خدم في القوات المسلحة وكان من مؤسسي موسيقات القوات المسلحة وكان يعزف على آلة السكسافون ويتباهى بخدمتة الجميلة. ومن الجهة الشمالية لشجرة الخوج يوجد سلم من الخشب يوصلنا لبيت خالتي الملاصق لبيت جدي حيث شجرة الخروب الوافرة الظلال وهي تعطي كميات وفيرة من ثمار الخروب الناضجة والتي نستمتع في اكلها بمذاقها الرائع. وكما إن جبل اللوبيدة جميل في صباحه فهو جميل قبيل الغروب ومع الغروب وعندما يأتي المساء ويهل الليل فيبدأ مطعم السيزار يطلق اغاني ام كلثوم من انت عمري، وهذه ليلتي، والحب كله، فأشاهد من «برندة» دار جدي واخوالي عمان الجميلة في الليل وهي تزهو كشجرة عيد ميلاد جميلة بألوانها الزاهية.
الله كم فيك يا جبل اللوبيدة من ذكريات عندما كنا نمشي انا واولاد خالي في شارع الباعونية.
تستوقفني تلك البيوت الجميلة وبحجارة بيضاء ووردية نمشي وياسمين دمشقي يتعمشق السور، وتينة اخرجت ديفورها الربيعي وتوتة شامية ثقلت بحملها. كم انت جميل يا جبل اللوبيدة عندما ننزل للبلد نمر من واجهة مستشفى لوزميلا، حيث النزول القوي والذي يجعلك تمشي الهوينا حتى تصل إلى درج اللوبيدة ( الكلحة ) وبائع القطايف المستمر في عمله طوال العام حتى نصل إلى البلد لنشاهد فيلماً سينمائياً جديدأ لفريد الأطرش من زمان ياحب او نغم في حياتي.
الدستور